"البالة"..سوق الفقراء وعشاق الماركات العالمية
ABRAJ: 2.08(%)   AHC: 0.80(%)   AIB: 1.10(6.78%)   AIG: 0.19(%)   AMLAK: 5.00(%)   APC: 7.25(%)   APIC: 2.29(0.00%)   AQARIYA: 0.82(%)   ARAB: 0.80(%)   ARKAAN: 1.33(0.00%)   AZIZA: 2.52(%)   BJP: 2.80(%)   BOP: 1.49(%)   BPC: 3.80(%)   GMC: 0.80(0.00%)   GUI: 2.08(%)   ISBK: 1.15(%)   ISH: 1.00( %)   JCC: 1.71(%)   JPH: 3.62(0.00%)   JREI: 0.28(%)   LADAEN: 2.50( %)   MIC: 2.60(4.06%)   NAPCO: 0.99( %)   NCI: 1.65(0.00%)   NIC: 3.00(1.01%)   NSC: 3.07( %)   OOREDOO: 0.76(1.33%)   PADICO: 1.02( %)   PALAQAR: 0.42(%)   PALTEL: 4.10(0.97%)   PEC: 2.84(7.49%)   PIBC: 1.05( %)   PICO: 3.39( %)   PID: 1.93( %)   PIIC: 1.80( %)   PRICO: 0.30( %)   PSE: 3.00(%)   QUDS: 1.16( %)   RSR: 4.50( %)   SAFABANK: 0.80( %)   SANAD: 2.20( %)   TIC: 2.95( %)   TNB: 1.23(0.00%)   TPIC: 2.00( %)   TRUST: 2.99( %)   UCI: 0.43( %)   VOIC: 7.12( %)   WASSEL: 1.07(0.00%)  
12:00 صباحاً 15 آذار 2016

"البالة"..سوق الفقراء وعشاق الماركات العالمية

يبحث الطالب الجامعي محمد أبو سنيمة داخل السوق بين مجموعة  من الملابس المستخدمة عن شيء يناسبه، بعدما أصبح يعتمد بشكل كامل على سوق "البالة" في شراء ملابسه، بعدما كان يرفض مجرد التفكير في ارتداءه ملابس مستعملة.

محمد الذي أرهقت والده المصاريف الكثيرة، ولا يستطيع معها سوى توفير المتطلبات الأساسية له ولإخوته الستة،  وجد في سوق "البالة" الملاذ لسد حاجته الماسة إلى ملابس، تتناسب مع زملائه الطلاب داخل الجامعة، ليصبح بذلك زبونا دائما لهذه الأسواق.

ولا يكتفي محمد بالبحث في سوق "البالة" في مدينته رفح جنوب قطاع غزة، فهو يتردد أيضا على ذات السوق في مدينة غزة حيث يدرس، فيذهب برفقة مجموعة من أصدقاءه كلما سمحت لهم الفرصة لمتابعة البضائع الجديدة التي تنزل السوق بين فترة و أخرى، عله يجد ما هو أكثر تناسبا عما يبحث من ألوان وتفصيلات جديدة بأسعار منافسة لما يجده في رفح.

المواطن حسين زغرة هو الآخر حريص على الذهاب بشكل متكرر مع زوجته وأطفاله إلى سوق "البالة"، وحول هذا يقول: "آتي إلى هنا كلما احتاجت أسرتي لملابس جديدة، صيفا أو شتاء، فهنا أجد حاجتي وحاجة أبنائي الخمسة من ملابس وأحذية، وأتمكن من شراء كل متطلباتهم بأسعار منخفضة كثيرا عن سوق الملابس الجديدة."

ويؤكد زغرة أن العائلة بالكامل تلبس من " البالة" وانه لا يجد في هذا ما يحرج، بل انه يتندر قائلا: "البس أنا وأطفالي من أغلى الماركات العالمية، من البضائع الأوروبية التي تفوق جودة البضائع الجديدة في الأسواق المحلية، وهو ما لم يكن متاحا عندما كنا نشترى ملابس جديدة."

سوق الملابس والأحذية المستعملة أو ما بعرف محليا باسم "البالة"، لم يعد مقصدا للفقراء فحسب وإنما بات يرتاده شرائح متنوعة من المواطنين في قطاع غزة، ولكل أسبابه الخاصة في ذلك، فمن لا يستطيع شراء ملابس جديدة يرى فيه العنوان المناسب لشراء كسوة كاملة بأرخص الأسعار.

تنتشر هذه الأسواق في كل مدن قطاع غزة على حد سواء، غير أنها تنشط في مدينة غزة أكثر من غيرها حيث يعتبر سوق "فراس" الشعبي الواقع إلى الشرق من مدينة غزّة هو السوق الأكثر شهرة بين أسواق "البالة" على مستوى القطاع، ويعتبر نقطة تجمع رئيسية ليس للباحثين عن ملابس بحالة جيدة، وإنما لتجار التجزئة من مناطق مختلفة من القطاع.

ويعود تاريخ السوق إلى فترة الحكم المصري لقطاع غزة، ويوجد به محلات لكبار تجار الملابس المستخدمة، ومع مرور الوقت تطور المكان كثيرا خصوصا خلال السنوات القليلة الماضية.

ولا يعرف كثير من الزبائن مصدر هذه الملابس المستعملة على وجه التحديد، غير أن إقبالهم على شرائها لا يتأثر بذلك، وهذا ما يشير إليه شريف أبو محسن حيث يقول، لا يهم من أين تأتي الملابس فانا بكل الأحوال أقوم بغسلها جيدا بعد شرائها، مؤكدا انه يجد غالبا في سوق "البالة" كل ما ببحث عنه من ملابس تساير موضة الشباب على حد تعبيره.

وتتفق معه أم وائل البرديني التي لا ترى أهمية في معرفة المكان الذي تأتي منه هذه الملابس المهم أنها بحالة جيدة وبأسعار مناسبة، متسائلة ما الفرق إذا كانت الملابس تأتي من " إسرائيل" أم من دول أوروبا، في النهاية نحن نبحث عن خامة جيدة وسعر منخفض.

مشيرة إلى حرصها على غسل وكي الملابس جيدا بعد شرائها من السوق، معللة هذا التصرف بان الغسيل والكي يخلصها من كل ما قد يكون عالقا في الملابس، وانه لم تحدث معها على طول سنوات شرائها من السوق أن أصيبت بمكروه يتعلق باستخدام هذه الملابس.

حالة الخجل من التردد على سوق "البالة" تبددت لدى كثيرين من سكان القطاع المحاصر منذ ما يزيد عن ثمان سنوات،  بعد تفشي البطالة وتأخر الرواتب وانعدام فرص الدخل، كل هذه العوامل ساهمت في  انتعاش سوق "البالة" في غزة، حتى بات مقصد الكثيرين، بمعدلات شراء غير مسبوقة.

وهذا ما يؤكده المواطن معتز أبو جبل الذي كان يشعر بحالة من الخجل الشديد لدى تردده على السوق، بل انه كان يتوارى عن الأنظار ويختار الأوقات التي تخف فيها الحركة على السوق، لكنه بات اليوم اقل خجلا بعدما أصبح كثير من أصدقاءه وأقاربه ينصحون بعضهم بالذهاب إلى هناك.

معتز الموظف بحكومة غزة، والذي لم يتقاضى راتبه منذ ما يزيد عن العام وجد في السوق المكان المناسب لشراء كل ما يلزمه ويلزم أطفاله في المناسبات التي لا يستطيع فيها شراء ما يلزمهم، بل انه  بات مقتنعا أكثر من أي وقت مضى مع ضيق الحال بان سوق "البالة" هو المكان الأمثل الذي تجد فيه كل ما تريد، في ظل جودتها وتدني أسعارها ودخلي المحدود جداً جعلني زبوناً دائماً.

وقد بات آخرون يرونه مقصدا للبحث عن ملابس بحالة جيدة وتحمل ماركات عالمية، وأسعار تنافس الملابس الجديدة بمراحل عديدة، فيما بعلل البعض توجهه إلى هناك بان البضائع التي تصل إليه لا يمكن تواجدها في سوق الملابس الجديدة بسبب الحصار المفروض ومنع الكثير منها من الدخول، فهم يبحثون عن خامات معينة.

فالقرار بالنسبة لمحسن الاسطل كان دافعه مختلفا، فهو يجد جودة  البضائع الموجودة في سوق "البالة" اكبر بكثير من البضائع الجديدة المستوردة من الصين والمنتشرة في الأسواق.، وبسعر مناسب جدا يسمح لك بشراء أكثر من قطعة بنصف سعر قطعة واحدة جديدة.

وان حالته المادية المستقرة نوعا ما لم تمنعه من التردد على سوق "البالة" لشراء الملابس له ولأبنائه،  فهنا تجد ملابس لكل الأعمار من الجنسين، و أصناف تناسب كل فصول السنة، حتى الأحذية تعرض في هذا السوق ويقبل على شرائها الناس أيضا، وأنا منهم.

نوع جديد من محلات "البالة" بدأ بالانتشار في الآونة الأخيرة، وهو محلات في ارقي أحياء غزة، تعرض البضاعة فيها بشكل يصعب التمييز بينها وبين الجديدة، لملابس منتقاة بشكل جيد لتناسب أذواق فئة الشباب خصوصا، وهذا ما فعله الشاب محمد حكيم الذي افتتح محله قبل عامين، معتمدا على فحص كل قطعة قبل شرائها من التاجر المستورد.

فيقول: لا اشترى أي بضاعة، ولا اعرض أي قطعة ملابس إلا بعد أن أتأكد أنها تناسب فئة الشباب من الجنسين والذين استهدفهم خلال عملي، فانا أقدم ماركات عالمية، وملابس تحمل الطابع الشبابي أكثر، وبحمد الله فان التوفيق في اختياري المناسب جعل الإقبال جيدا.

محمد الذي يسعى إلى مسايرة هوس الموضة لدى الشباب يفكر في افتتاح محل آخر في منطقة تجارية أخرى نظرا للنجاح الذي حققه.

داخل سوق البالة، لا ينادي البائع على بضاعته إنما يعرف الجميع المكان ويأتون إليه، يقلبون في بضائعه بحثا عما يريدون، ولكن ما يواجههم هو مشقة البحث بين كميات كبيرة عن بعض القطع المناسبة لهم، تضمن لهم الموديل واللون المطلوبين والسعر المناسب.

التاجر سمير الأصفر يؤكد أن هناك إقبالا من الناس، بعدما تبنى الناس ثقافة شراء المستعمل حسب قوله اكبر من ذي قبل، مشيرا إلى أن زبائنه من فئات اجتماعية مختلفة، وكل يوم ينضم إلى زبائنه قطاعات جديدة من المواطنين، فقد اختلفت الفكرة عن السابق حول "البالة"، فلم تعد تلك الملابس المتهرئة والتي يشتريها الفقراء لستر عورتهم بالكاد، إنما هي اليوم تجارة رائجة نظرا لنوعية الملابس الممتازة التي تقدم في اغلب الأحيان.

فيقول: " استقبل هنا الغني والفقير على حد سواء، فلا عجب أن رأيت أشخاص يبدو عليهم الراحة المادية ويعملون في وظائف كبيرة ربما، يبحثون عن ماركات مميزة ضمن بضائعي، ومحدودي الدخل أيضا إلى جانبهم يبحثون عن ملابس بأسعار منخفضة، خصوصا مع تزايد التجار المستوردين وتعدد البضائع مما أتاح هامشا إضافيا للاختيار.

ويضيف : سوق "البالة" يعتمد بشكل أساسي على البضائع الواردة من السوق الإسرائيلي، وان السبب الأساسي لتطورها جاء من عادة سكان "إسرائيل" على تبديل ملابسهم القديمة في عيدهم (الفصح)، حيث تعبر عقيدتهم أن تبديل الملابس في هذا اليوم يجلب البركة.

وبعد إلقاء الملابس يقوم التجار داخل "إسرائيل" بجمعها وتعبئتها داخل كراتين كبيرة، ومن ثم وضعها في أوزان تصل للطن، وتصديرها لتجار غزة وتوزع على المحلات والتجار

أما التاجر حسين السندواي فيعمل في هذه المهنة منذ ما يزيد عن أربعين عاما، بعدما ورثها عن والده، ولمحلاته فروع في كل مدن قطاع غزة، يصف تجارته بالرائجة، خصوصا خلال السنوات الأخيرة، مؤكدا بالقول: نحن نعيش من هذه التجارة ونفتح بيوتنا اعتمادا عليها، وقد بنينا حياتنا عليها.

ويقول السندواي ثقة الناس في بضاعتنا تزداد يوما بعد الآخر، فبضاعتنا مشهود لها بالجودة والتميز، واصفا إلى اهتمامه بالتفاصيل فقطعة الملابس التي تصل المستهلك تمر بمراحل فرز تفصل البضائع الجيدة عن الأقل جودة، ووفق هذا التصنيف تحدد لها الأسعار وان البضائع المعروضة في اغلبها تخضع لعملية غسلها وكيّها جيّداً، وتخلصها من كل ما يمكن أن يكون عالقا بها، ومن ثم عرضها بطريقة لائقة تجذب الزبائن، حتّى أنه بالكاد يستطيع أحد تمييز متجر يبيع ملابس "بالة" عن سواه.

ورغم هذا فان أغلى القطع المعروضة لا يتعدى سعرها عشرة دولارات، وان الملابس العادية وبحالة متوسطة ربما يصل سعر القطعة إلى دولار واحد فقط.

أما التاجر معين المبيض فيوضح أن هناك شركات كبرى متخصصة سواء عربية أو أجنبية في تجارة الملابس المستعملة حول العالم، وان الناتج الذي يصل إلى القطاع يأتي عبر أوروبا أو "إسرائيل".

حيث تبدأ رحلة هذه الملابس منذ مرحلة تجميعها من قبل هذه الشركات من قبل أصحابها بأسعار زهيدة للغاية، بالإضافة إلى ملابس جديدة انتهت موضتها في تلك البلدان، ثم يتم تورديها إلى التجار في مناطق مختلفة منها الضفة الغربية وقطاع غزة،

ونحن كفلسطينيين لنا مصدرنا الخاص من الجناب الإسرائيلي حيث تصلنا من هناك بضائع بحالة ممتازة، يقبل عليها المواطنين بشكل كبير.

تدخل جميع البضائع عبر معبر كرم أبو سالم جنوب قطاع غزة، في حاويات كرتونية ضخمة، كل حاوية تحتوي نوعية معينة من الملابس حسب جودتها، وعلى هذا الأساس يتم تحديد سعر الطن منها، الذي يتراوح بين 3000 إلى 6000 شيكل (الدولار يُعادل 3.85 شيكل)، ومن ثم يقوم تاجر الجملة ببيعها لتجار التجزئة، لتنتهي إلى يد المواطن بعد رحلة طويلة.

ويعتبر الكاتب الاقتصادي حامد جاد أن عدة أسباب أدت إلى التحوّل والاندماج في السلوك الشرائي لدى المستهلكين، فبخلاف انخفاض الأسعار وجودة البضائع، باتت طريقة العرض تختلف عن الماضي، بالإضافة إلى أن العلامات التجارية الكبرى الموجودة في السوق والتي يبحث عنها الشباب، في الوقت الذي يصعب على التجار استيراد هذه العلامات من بلدانها الأصلية بسبب تقييد الاستيراد عبر الموانئ الإسرائيلية للبضائع الواردة إلى قطاع غزة.

مضيفا إلى أن الظروف الصعبة التي عاشها الفلسطينيون على مدار حياتهم، ساهمت في  تقبل فكرة الملابس المستخدمة أكثر من شعوب أخرى، مع انخفاض القدرة الشرائية لشريحة كبيرة من المواطنين، فغالبيتهم لا يرون فيها ما يعيب، بل يعتبرونها فرصة جيدة لاقتناء ملابس ذات جودة عالية لا تتوفر لهم جديدة في كثير من الأوقات.

ويصل حجم الواردات من الملابس المستعملة وفق إحصائيات وزارة الاقتصاد الوطني الفلسطيني بغزة، يصل شهريا إلى 10 طن، مما يعني انه تجارة رائجة، ويتم استهلاكها والإقبال عليها

 

 

 

نقلا عن صفد برس

 

Loading...