تزداد فكرة الزواج ثقلاً على كاهل السواد الأعظم من الشبان في المجتمع الفلسطيني يوماً بعد يوم، نظراً لأن المراسيم التي يخضع لها مشروع الزواج باتت كثيرة إلى درجة التعقيد أمام معظم المقبلين على الزواج.
جلسنا إلى مجموعة من الشبان (ما بين متزوجين وعازبين) في مدينة الخليل، حيث لخّصوا في حديثهم لـ"الحياة الجديدة" رحلةً يرى فيها كثيرون "عناء كبيراً" وصولاً إلى بيت الزوجية.
الشاب سامي أحمد دويك (28 عاماً) مقبل على الزواج، ويستعد هو وخطيبته لاستكمال التجهيزات لحفل الزفاف بعد بضعة أسابيع، ومنذ بداية اتصالنا به أكد أنّ أنسباءه لا يكلفونه فوق طاقته، إلا أن المتطلبات كثيرة وأصبحت فوق طاقة كثير من الشبان المقبلين على الزواج سواء في مدينته أو في المدن الفلسطينية الأخرى.
لا يوجد مشروع زواج تقل تكاليفه عن 100 ألف شيقل، هذا ما قاله المواطن كامل حداد (35 عاماً)، ويوافقه الرأي عدد آخر من الشبان الذين تحدثنا إليهم خلال جولتنا في مدينة الخليل، وبغض النظر عن المستوى الاجتماعي والمادي للشاب وأهله فإن المراسيم الأساسي منها والثانوي أصبحت "فرائض" لا بد من تأديتها كما قالوا.
طقوس كثيرة ومكلفة
مهر العروس (المعجّل) وهو من شروط الزواج الأساسية، لا يقل عن 300 غم من الذهب، وهو شيء شبه متفق عليه في مدينة الخليل.
أما المراسيم فتبدأ منذ موافقة العروس وأهلها على العريس الذي تقدم إليها، وأولها ما تعرف بــ (عزومة كتب الكتاب- لأهل وأقارب العروسين)، ثم تتبعها (قراءة الفاتحة- خاصة بالرجال) ثم (الصّمدة- حفل خاص بالنساء) وهذه معاً تكلف وفق تقديرات المواطنين الذين قابلناهم ما لا يقل عن 20,000 شيقل.
وطوال فترة الخطبة التي إن طالت أو قصرت، لا بد فيها من أن يواصل العريس تقديم الهدايا للعروس في كل زيارة يقوم بها إلى بيت أهلها، وهذه الزيارة تتكرر على الأقل مرة واحدة أسبوعياً لدى أغلبية الخاطبين.
وعند اقتراب الزفاف، يبدأ العروسان شراء ما يعرف بـ"جهاز العروس" ويتضمن كافة ملابسها ومستلزماتها الخاصة، وفي الحد الأدنى تصل تكاليف الجهاز إلى 10,000 شيقل، مضافاً إليها ما يعرف بشنطة المكياج التي لا تقل دائماً عن 1500 شيقل.
أما "بدلات" العروس، وهي فستان الزفاف (استئجار مؤقت)، و3 فساتين أخرى يشتريها العريس لها، فلا تقل كل واحدة منها عن 3000 شيقل، الأمر الذي يرى فيه البعض مبالغة.
وحفلات الزواج، تبدأ من حفل ما قبل الزفاف وهو ما يعرف بـ"الشمع" وفيه يحجز العريس قاعة لأهل العروسين للاحتفال دون وجود العروس، وهو تقليد متبع في كافة أعراس المدينة. وفي اليوم التالي يكون حفل الزفاف وفي المتوسط لا تقل تكلفة الحفلات في هذين اليومين عن 30,000 شيقل، علماً أنه – حسبما قال مواطنون- هناك كثير من حالات التباهي والتفاخر بين أهل المدينة بالإنفاق في مثل هذه المناسبات، وتصل المبالغ أحياناً إلى أرقام مضاعفة، خاصة عند حجز قاعات فاخرة.
كما أن هناك ما يعرف بـ"المباركة" وتكون بعد حفل الزفاف وليوم واحد فقط، وتختتم بها سلسلة الحفلات بزفاف العروسين.
الشاب يوسف المحتسب (27 عاماً) متزوج منذ 3 أعوام تقريباً، لم يجد صعوبة كبيرة في تسديد "الشيكات" التي كانت في ذمته بعد زواجه، خاصة أن الشبان يحظون بمساعدة الأهل في معظم الأحيان.
ويؤكد المحتسب، لولا أن الأهل يقدمون المساعدة، لاحتاج كثير من الشبان سنوات أخرى ليتمكنوا من الزواج.
بنتك مثل ابنك!
لا يتوقف الأمر عند العريس وأهله، بل هناك أمور ثانوية، يقوم بها أهل العروس في مدينة الخليل، كنوع من الالتزام تجاه ابنتهم في مشروع زواجها، وتصل تكلفة زواج البنت على أهلها تقريباً نصف تكلفة زواج الابن، حسب تقديرات من استطلعنا آراءهم.
هناك عادة في الخليل هي أن يقوم أهل العروس بشراء ملابس جديدة لأهل العريس (الأب، والأم، والإخوة والأخوات، والأجداد إن وجدوا)، وتسمى هذه العادة "الشنطة".
وهناك ما يعرف بـ"عَبْرة البيت" يعزم خلالها أهل العروس ذوي العريس قبل حفل الزفاف بأسبوعين وتكلفة هذه العزومة لا تقل عن 1000 دينار في المتوسط.
كما أن والد العروس، حسب التقليد السائد، لا بد أن يقوم بتلبيس ذهب للعروس يوم حفل زفافها، بغض النظر عن توفر إمكانية هذا الأمر لديه أم لا.
وفي اليوم التالي لحفل الزفاف، يزور أهل العروس ابنتهم وزوجها فيما يعرف باسم " الصُّبحة" المأخوذة من فترة الصباح، ويشتري أبو العروس لابنته شيئا من لوازم المنزل، أو المفروشات (تكلفته عادة لا تقل عن 1000 دينار) وكانت تُتَّبع حتى وقت قريب عادة تقديم وجبة العشاء لأهل العروس، لكن العادة جرت حديثا على التنازل عن هذا الأمر مع احتفاظ البعض الآخر بهذا التقليد.
الثانوي مطلوب كالأساسي وإلا!
يتحدث إلينا المواطن (ج. م) عن سبب "فسخ عقد قران" أخيه على فتاة، وأنه يرجع إلى عدم الاتفاق على إحضار غسّالة (Full Automatic) بدلاً من التي اشتراها أثناء تجهيز منزله والتي لم تكن بالمواصفات التي وضعتها "العروس".
الشاب كامل حداد يقول إن كثيراً من الشباب يضطرون للاستدانة من أجل استيفاء كافة متطلبات الزواج وحفل الزفاف، الأمر الذي يثقل كاهل الشاب بعد زواجه لسنوات.
ويعلق الشاب أمجد دويك (25 عاماً) على تكاليف حفلات الزفاف عموماً في المدينة أن معظمها من أجل التفاخر والمباهاة بين العائلات والعشائر، وأنه بإمكان الشاب أن يتزوج بـ2000 دينار إن أحسن الناس الاستغناء عن كثير من التفاصيل المرهقة للعريس.
ويرى كثيرون أن أهم أسباب ارتفاع سن الزواج في هذه الأيام هو غلاء المهور وتكاليف الزواج خاصة التفاصيل الثانوية التي يمكن الاستغناء عنها.
نقلا عن "الحياة الجديدة"
الكاتب:أمل دويكات