يرش الخمسيني الفلسطيني، مصطفى أبو الخير، أصناف الأسماك الطازجة التي يفرشها داخل "حسبة السمك" بالماء، كي تبدو جذابة للزبائن، ويحاول برفقة عُماله تنظيف المكان باستمرار، وإلى جانبه عدد من الباعة، يحاول كل منهم استقطاب الزبائن.
وتعتبر "حسبة السمك" سوقاً خاصاً بالأسماك التي يتم صيدها في بحر غزة أو استيرادها من معبر كرم أبو سالم، ومعبر رفح في السابق، ويضم عشرات الباعة والدلالين والمحال التجارية الخاصة ببيع الأسماك حصراً، والزبائن الذين اعتادوا على زيارة المكان.
عُمر حسبة السمك التي تجاوِر ميناء الصيادين غرب مدينة غزة شارف على الثلاثين عاماً، يبدأ العمل فيها منذ ساعات الفجر، حتى ساعات المساء، ولا يقتصر البيع فيها على تُجار السمك فحسب، بل تحوي عدداً من الباعة الصغار، الذين فرشوا بضاعتهم في "بسطات" متواضعة.
ويقول أبو الخير الذي يعيل 14 فرداً، لـ"العربي الجديد"، إنهم بدأوا العمل هنا منذ 20 عاماً، عبر شراء الأسماك من الدلالين، وتصفيفها بعناية، ورشها بالماء بشكل متواصل حفاظاً عليها من الحرارة أو الأتربة، لكنّه لفت إلى أنّ أوضاع السوق لم تعد مثل السابق، بل ساءت ووصلت إلى مراحل أكثر من سيئة.
ويضيف: "الأسماك التي تخرج من بحر غزة لا تكفي لشيء، بسبب الحصار البحري الذي تفرضه قوات الاحتلال الإسرائيلي، وملاحقتها للصيادين، وعدم السماح لهم بتجاوز الأميال الستة، وفي بعض الأحيان تقوم باستهدافهم داخلها، وتطلق عليهم النار، وتقوم باعتقالهم".
ويتابع الحديث لـ"العربي الجديد" جاره حاتم بكر (47 عاماً): "نعتمد بشكل كبير على الأسماك التي يتم استيرادها من الجانب الإسرائيلي، بسبب رخص ثمنها مقارنة بأسعار الأسماك التي تخرج من بحر غزة بسبب كميتها المحدودة، إلى جانب توقف استيراد الأسماك من مصر بسبب الإغلاق المتواصل لمعبر رفح، ووقف العمل بالأنفاق التي كانت ترفد غزة بكميات وأصناف عديدة من الأسماك".
ويضيف بكر الذي ورِث الصيد ومهنة بيع الأسماك أباً عن جد: "في السابق كان البحر مفتوحاً أمامنا، كنت أعمل أنا ووالدي وأشقائي في الصيد الذي كان وفيراً في ذلك الوقت، واقتصر عملي الآن على شراء وبيع الأسماك".
ويقول إن الأسواق في تراجع دائم بسبب سوء الأحوال الاقتصادية، التي يمر بها قطاع غزة المحاصر، لافتاً إلى أن ارتفاع أسعار الأسماك أدى إلى إحجام الزبائن، وتراجع دخل الباعة.
ويوافقه في ذلك زميله حسام الهسي (40 عاماً)، الذي بدأ العمل في الحسبة أيضاً قبل 20 عاماً، مضيفاً: "في التسعينات كنا نصدر الأسماك ذات الجودة الممتازة، وبكميات كبيرة، وكانت حركة السوق قوية، والحالة الاقتصادية جيدة، وفي الوقت ذاته كانت الأسعار مناسبة".
ويتابع في مقابلة مع "العربي الجديد": "قبل عملي في البيع داخل سوق الأسماك، كنت صياداً أبيع السمك للدلالين، وبدورهم يبيعوه للتُجار، ولكن التضييق الاسرائيلي داخل البحر دفعني الى ترك البحر، والتفرغ للتجارة التي أصبحت ضعيفة مقارنة بالأوضاع الجيدة التي كانت في قبل عقدين".
ويلفت إلى أنّ أكثر أصناف الأسماك التي يتم استيرادها عبر معبر كرم أبو سالم هي الدنيس، البوري، السكمبلة، السردينة، وعدد من الأسماك الشعبية رخيصة الثمن، والتي تتناسب مع دخل المواطن الغزّي البسيط، وفي الوقت ذاته نبيع مختلف الأصناف الغالية مثل اللُكُس، الجمبري، الغزلان، وغيره.
الحركة الشرائية داخل سوق الأسماك كانت ضعيفة للغاية، ويقول المواطن أبو صبحي شريم لـ:"العربي الجديد" إن ارتفاع أسعار الأسماك يدفعه إلى شراء كمية قليلة، مضيفاً: "أوضاعنا الاقتصادية لا تسمح بشراء المزيد .. لهذا السبب لا أصطحب زوجتي معي إلى السوق".
نقلا عن العربي الجديد