ما إن تطأ بقدميك منطقة السوارحة بمدينة النصيرات وسط قطاع غزة، حتى تُخبرك الروائح الشهية بما تفعله أيدي النساء من فطائر ومعجنات، وأنواعٍ مختلفة من البسكويت والحلويات، هناك النظافة والتنظيم عنوان للمكان والمذاق الشهي وسيلته في التسويق والانتشار.
ويُعد الواقع الاقتصادي السيء الذي تُعانيه غالبية الأسر في قطاع غزة، أحد أهم الأسباب التي دفعت النساء إلى تولي مسئولية الإعالة وتوفير سُبل العيش بما امتلكنّ من مهارات مُجدية في الحصول على عمل سواء بشكلٍ فردي أو من خلال مشاريع تدعم النساء في القطاع.
عشرون امرأة التحقنَّ بالمشروع، ليبدأن حياًة جديدة لهنّ ولأسرهن، بعد أن كانوا يعملنّ من خلف جدران بيوتهنّ دون أن يُحققن المردود المالي المطلوب، تؤكد إحداهنّ بينما كانت تُقلب أوراق السبانج وتُجهزه لإعداد الفطائر أنها باتت تحصد راتبًا شهريًا لقاء عملها ضمن التعاونية وأصبحت قادرة على تلبية متطلبات أفراد أسرتها وتطوير حياتها بشكلٍ أفضل.
تحدي الفقر
ووجدت أم عمر عليوة (44عامًا) ضالتها في مهارة التصنيع الغذائي التي توارثتها عن والدتها، المرأة بارعة في صنع الكعك والمعجنات والمأكولات الشعبية المختلفة، تؤكد لـ"الحدث" أن أوضاعها الاقتصادية الصعبة وتعطل زوجها عن العمل كانت سببًا في لجوئها إلى العمل في التصنيع الغذائي من داخل منزلها علّها توفر مالًا يُساعد أبنائها على استكمال دراستهم الجامعية.
وما إن سمعت "عليوة" عن عزم جمعية تنمية المرأة الريفية بالنصيرات على إنشاء مشروع تصنيع غذائي حتى التحقت به، تؤكد أن المشروع يُوفر فرصة أفضل للتسويق ويُدر دخلًا أوفى يُمكنها من توفير متطلبات أسرتها.
ولا تختلف تجربة السيدة أم طارق أبو سويرح (47عامًا) عنها، فهي ترى أن مشروع "زوادة" حقق لها انتشارًا أكبر وتسويقًا أفضل ومكنها من الحصول على راتبًا شهريًا استطاعت معه تلبي احتياجات أسرتها، إذ كانت تعتمد على طلبات الأقارب والمعارف فقط.
تخرج السيدة يوميًا من الثامنة صباحًا حتى الثانية بعد الظهر، وتعمل داخل التعاونية مع زميلاتها كخلية نحل، بدقة وسرعة متناهية في تلبية الطلبيات التي تأتي للتعاونية، وتُبين لـ"الحدث" أن العمل منحها بعدًا جديدًا للحياة بعد أن أغلقت عليها أبواب منزلها عقب وفاة زوجها، تقول:"أشعر بسعادة كبيرة حين أشارك زميلاتي العمل والهموم فنتقاسمها ونُصر على الإنجاز ليفخر بنا أبناءنا"
مهارة عالية ورأس مال غائب
من جهتها تؤكد مها المصري، المدير التنفيذي لمشروع "زوادة" أن المهارة العالية التي امتلكتها بعض النساء ممّن خُضْنَّ تجربة العمل والتسويق بشكل فردي، إضافًة إلى معاناتهنّ من ضعف التسويق لمنتوجاتهن واقتصاره على طلبيات بسيطة من حينٍ لآخر، كانت سببًا في تحويل الفكرة إلى مشروع تعاوني وتوفير رأس مال يُمكن البدء به ومن ثمّ تطوير الإنتاج لاستمرار الدعم، تقول المصري:"لقيّت فكرة المشروع تفاعلًا إيجابيًا من مؤسسة العمل ضد الجوع –أسبانيا- وبدأت برصد التمويل اللازم"، وتُضيف لـ"الحدث" أن جمعية تنمية المرأة الريفية بمنطقة السوارحة بالنصيرات وسط قطاع غزة، أخذت على عاتقها لئم وتجميع شتات العاملات، كما عملت – وفق قولها- على تدريبهن وتأهيلهنّ وصقل مهاراتهن العالية بأفكار علمية تُلبي احتياجات السوق بجميع أنواع الأطعمة الشعبية والحلويات والمعجنات.
وعلى صعيد الخطوات الفعلية أشارت إلى أن مشروع التصنيع الغذائي "زوادة" بات قادرًا على صنع جميع الأطعمة، ويُنجز طلبيات متنوعة وكبيرة سواء للمطاعم أو السيدات العاملات، وبيّنت أن سبب كثافة الطلبيات على مأكولات المشروع هي موافقتها للمواصفات المنزلية تمامًا بعيدًا عن أي إضافات عصرية تُفقد الأطعمة الشعبية مذاقها كـ "المفتول"، "فطائر السبانج"، "فطائر اللحم"، "الكعك" وغيرها.
أما عن العقبات، فأوضحت المصري إلى أن العقبة الكبرى أمام فريق العمل بمشروع "زوادة" هي الكهرباء مؤكدة أنها تُؤثر سلبًا على طبيعة العمل، فلا تعمل النسوة على استخدام جميع الآلات لإنجاز الطلبيات بل تقتصر على الآلات التي لا تعمل بالكهرباء كأفران الغاز، وتُضيف هذه الحالة تؤثر على سرعة إنجاز الطلبات، لكن يتم تجاوزها بتكثيف ساعات العمل.
لقد حقق مشروع "زوادة" إنجازًا لعشرين امرأة تمتلك المهارة في فنون المطبخ، ومنحهنّ فرصة لتحسين أوضاعهنّ الاقتصادية، فيما تعمل النساء المنضويات تحته جاهدات من أجل الحفاظ على تطويره لضمان استمرارية رأس المال وتمكين النساء بالمشروع على المدى البعيد وتحقيق التنمية لهن.
نقلا عن الحدث