تشير التقديرات الحالية إلى أن معدل نمو الاقتصادات الناشئة في آسيا سيبلغ هذا العام 6%، بارتفاع طفيف عن التوقعات السابقة التي ربطت النمو بنسبة 5.8%. ورغم معدلات النمو المقبولة، إلا أن هنالك مخاطر عدة تهدد استقرار الاقتصاد العالمي في عام 2016، وهي ما سيختلف تأثيره من دولة إلى أخرى ومن إقليم إلى آخر.
رفع أسعار الفائدة
فقد أدى رفع أسعار الفائدة الأمريكية إلى تقلبات كبرى في الأسواق المالية العالمية، رغم كل الاستعدادات والتوقعات بقرب تطبيقه، حيث أدى إلى تأثر حركة التجارة العالمية بشكل أو بآخر بين مستفيد منه ومتضرر. كما أدى رفع أسعار الفائدة إلى تضرر أكبر 5 اقتصادات نامية في القارة الآسيوية نسبة للحجم الكبير لصادراتهم إلى الولايات المتحدة. وأدت أسعار الفائدة المرتفعة إلى تشجيع رؤوس الأموال الضخمة على التحول والرحيل من الاقتصادات الناشئة، مثل الصين إلى الولايات المتحدة، وهو ما ظهر جلياً خلال الفترة الماضية، حيث شهد الاقتصاد الصيني موجة هروب كبرى لرؤوس الأموال بمبالغ تتخطى ال500 مليار دولار خلال العام الماضي.
وتمثل إحدى مهددات الاقتصاد العالمي في 2016 في مؤشرات الدين الخارجي، وهو ما يؤثر في معدلات النمو الاقتصادي في دول مثل الصين، علاوة على أثره البالغ في عملية الإصلاح الاقتصادي المطلوبة فيها، وهو ما يلقي بظلاله على قطاعات مالية واقتصادية واسعة مثل حركة التجارة المباشرة وغير المباشرة. فبين العامين 1986 و2011 سجلت الصين معدلات نمو كبرى بلغت نحو 9.9 % سنوياً، ومن ثم بدأت تتراجع بسبب الأزمات التي بدأت تعانيها كنتائج غير مباشرة للأزمة المالية العالمية التي ضربت أرجاء حركة التجارة في العالم.
إصلاحات اقتصادية
ورغم الأزمة التي يعيشها الاقتصاد حالياً، فإن الإصلاحات الاقتصادية التي ستتم على الاقتصاد الصيني ستفتح المجال أمام انتعاش اقتصادات ناشئة عدة في آسيا، فعلى الصعيد الداخلي فإن الطلب المحلي على السلع ربما يشهد نمواً ملحوظاً بمجرد اقتناع المستثمرين الدوليين أن الصين بصدد تنفيذ الإصلاحات التي طالما وعدت بها، وذلك بالنظر إلى الدور الكبير الذي يلعبه الاقتصاد الصيني في السوق العالمية، وهو ما سينتج عنه زيادة نشاط حركة الاستيراد والتصدير بين الصين ودول مثل الهند وإندونيسيا وفييتنام وسنغافورة وغيرها.
وأشارت بعض التحليلات والمصادر إلى أن يبلغ نمو الاقتصاد في الصين 6.7 %، فإن نشاطها التجاري مع الدول الآسيوية المجاورة هو العامل الحاسم في تثبيت هذه النسبة بسبب الاعتماد الكبير للدول النامية في آسيا على عملياتها التجارية مع العملاق الصيني، التي كلما ارتفعت تزيد معها احتمالات تحقيق معدلات نمو أكبر في القطاعات الاقتصادية إجمالاً.
ومن العوامل الأخرى التي تمثل تهديداً للاقتصاد الصيني ضعف مؤشرات أسعار السلع التي تكهنت بعض التقارير باستمرارها في اقتصادات جنوب شرقي آسيا العام الجاري. وتلعب العوامل الجوية والطبيعية دوراً كبيراً في مؤشرات أسعار السلع، ويتمثل ذلك في تأثير الفيضانات والأمطار الغزيرة على الدول الآسيوية المنتجة للرز، الذي يعد بين صادراتها الأكثر أهمية لدول مثل تايلند وإندونيسيا.
بيئة أقل جذباً للاستثمارات
وتمثل الانتخابات الصينية عاملاً آخراً ضمن مهددات الاقتصاد فيها جنباً إلى جنب مع العوامل الجيوسياسية، التي يمكن أن تؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي، وبالتالي خلق بيئة أقل جذباً للاستثمارات والأعمال التجارية. حيث إن من المتوقع أن يشهد المسرح السياسي تغييرات في كل من هونغ كونغ والهند وميانمار وغيرها من الدول الآسيوية النامية، فضلاً عن تنامي حركة التجارة الإيرانية بعد رفع العقوبات عنها، ومن الممكن أن تلقي بظلال سلبية على الاقتصاد الصيني.
ولا ينحصر تأثير هذه العوامل في الاقتصاد الصيني فحسب، بل يمكن أن يتخطى تأثيرها حدود العملاق الآسيوي إلى اقتصادات آسيوية ناشئة وبمعدلات لا يمكن تصورها، ويمكن أن يختلف تأثيرها من دولة إلى أخرى وفقاً للظروف الاقتصادية الإقليمية والعوامل المؤثرة فيها. وينبغي على الحكومات التنبه لهذه المخاطر والعمل على تبني خطط إصلاحية واسعة النطاق لتفادي الوقوع في أزمات كبرى ومحاولة معالجة الآثار والتبعات السلبية لهذه المهددات.
عن "الخليج الاقتصادي"