نشر هذ المقال بالإنجليزية في هافنغتون بوست في 24 من كانون الثاني 2016).
هنالك الكثير من الأسباب المحفّزة على جعل مشاركة المرأة في سوق العمل أولويةً في المنطقة العربية. فالمنفعة الاقتصادية الكامنة في زيادة نسبة عمل المرأة مدهشة. فحسب التقديرات الأخيرة، من الممكن أن يرتفع الدخل القومي في المنطقة بنسبة 47% خلال العقد القادم في حال تساوت أعداد النساء مع أعداد الرجال في سوق العمل، والأثر الاقتصادي لنسب العمالة هذه يمكن أن يخلق 600 مليار دولار سنويًّا (2.7 ترليون بحلول 2025). هذه الأرقام أكبر وأهمّ من أن يتم تجاهلها. وبالرّغم من الجهود التي بذلت لمحاربة التمييز بين الجنسين في المنطقة، ما زالت المرأة تواجه تحديات كثيرة للالتحاق بسوق العمل. فعند الحديث عن دخول المرأة إلى سوق العمل، يتنبّأ البنك الدولي بأنه حسب معدلات النمو الحالية، ستحتاج دول المنطقة إلى 150 عامًا أخرى كي تبلغ المعدّل العالمي الحالي.
بالتأكيد، هذه ليست مسألةً تتعلّق بنقص الكفاءة أو التعليم (فنسب التحاق الإناث بالتعليم العالي تفوق نسب الذكور بشكل ملحوظ في الكثير من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا). إلّا أن معدّلات البطالة بين النساء في سن العمل، والتي تجاوزت الـ 40% في بعض دول المنطقة، تعدّ مشكلة متعدّدة الأوجه يجب معالجتها في أقرب وقت ممكن، إذا أردنا تحقيق المخرجات الاقتصادية المرجوّة من زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل.
ولكن من المسؤول عن إدماج المزيد من النساء في سوق العمل في المنطقة العربية؟ هل هي الحكومات، أم المنظّمات غير الحكومية، أم أصحاب العمل، أم الشابّات أنفسهن؟ الجواب هو أن الجميع يشترك في حمل المسؤولية. تشير نتائج «الوظائف الأولى للشابات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: التوقعات والواقع»، وهي وثيقة تقنيّة أعدّها كلٌّ من «بيت.كوم» و«التعليم من أجل التوظيف» و«يوجوف»، إلى وجود إجراءات عمليّة يمكن للحكومات والمنظّمات غير الحكوميّة وأصحاب العمل والشابّات القيام بها من أجل زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل. تشمل هذه الإجراءات التفاوض على الرواتب وتعديلها بما يتناسب مع احتياجات النساء الشابّات، وتوفير دُور الحضانة في أماكن العمل، بالإضافة إلى تيسير وصولهنّ إلى وسائل نقلٍ مناسبةٍ وذات أسعار معقولة. كما قدّمت الوثيقة عددًا من التوصيات لتسهيل عملية توظيف الشابّات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
تغيير معتقدات أصحاب العمل أشارت نتائج الاستطلاع أنه وبالرّغم من وجود دعمٍ ملحوظ بين النساء وأصحاب العمل لمشاركة الشابّات في سوق العمل إلّا أنه لا تزال هناك معيقات في عدد من النواحي، منها المعتقدات التي يحملها أصحاب العمل. أشارت 82% من صاحبات العمل أنهن شخصيًّا يدعمن السياسات التي تدفع باتجاه توظيف النساء الشابّات، بينما دعم 61% فقط من أصحاب العمل هذه السياسات.
وعندما سئل أصحاب العمل عن أثر زيادة عدد النساء العاملات على الربحيّة، كان الذكور يعتقدون بأن لذلك أثرٌ سلبي على الربح بنسبة 3 إلى 1 من صاحبات العمل، وكانت الأسباب التي ذكرها أصحاب العمل، من كلا الجنسين، الذين يعتقدون بأن لتشغيل النساء أثرًا سلبيًا، هي: أن الرجال أكثر كفاءة (21%) أو أن النساء بحاجة لأيام عطل ومغادراتٍ أكثر (15%)
أمّا أهم الأسباب التي أوردها أصحاب العمل، من كلا الجنسين، والذين يعتقدون بأن لتشغيل النساء أثر إيجابي على الربحيّة، فكانت: الصفات والمهارات التي تتمتّع بها النساء مثل مهارات القيادة والإخلاص (18%) والإنتاجيّة العالية (11%). لكن الوعي بأهميّة الأثر الاقتصادي الشامل كنتيجة لتشغيل المرأة كان ينقص الكثير من أصحاب العمل، فـ 4% منهم فقط ذكروا فوائد تعود على الاقتصاد ككل من إدماج المرأة في سوق العمل، كما ظهر غياب الوعي بأثر تشغيل المرأة على الاقتصاد عن النساء أنفسهن، 3% من الشابّات العاملات و6% من الشابّات الباحثات عن العمل فقط أشرن إلى فوائد تعود على الاقتصاد كسبب مباشر لتشغيل المرأة.
إن تكوين طرح متماسك حول فائدة تشغيل المرأة على الاقتصاد ككل قد يكون له أثره الكبير في التشجيع على تشغيل النساء الشابّات.
الاستثمار في مزايا مهمّة للمرأة أظهرت الدراسة أيضًا بأن أصحاب العمل قد يستثمرون في سياسات غير ذات أهميّة كبيرة عند النساء في المنطقة العربية، كقيامهم بتوفير مراقباتٍ للعمّال. في الوقت ذاته، لا يقدّم الكثير من أصحاب العمل مزايا مهمّة للنساء، كتوفير وسائل نقل مستدامة وبأسعار معقولة، أو ساعات عمل مرنة، أو إمكانية العمل من المنزل، أو توفير دُور الحضانة في أماكن العمل. وأشارت نتائج الاستطلاع إلى عدم معرفة الكثير من النساء إن كان أرباب عملهم قد تبنوا سياسات تشجّع على تشغيل المرأة.
حتى نضمن التوافق بين المزايا التي يقدّمها أصحاب العمل وبين ما تحتاجه النساء الشابّات علينا تعزيز الوعي داخل وخارج المؤسّسات المعنيّة. تشجيع الرّيادية يمكننا تقديم حجّة هامّة عن خلق نموّ اقتصادي مستدام من خلال تشجيع روح الريادية بين النساء في المنطقة العربية. يظهر استطلاع «ريادة الأعمال في القطاع الاجتماعي والربيع العربي»، والذي أعده بيت.كوم بالشراكة مع برنامج الإصلاح والديمقراطية في العالم العربي في مركز الديمقراطية والتنمية وسيادة القانون في جامعة ستانفورد، أن الربيع العربي له آثار إيجابية على الدفع باتجاه زيادة الاهتمام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
من أجل تشجيع ريادة الأعمال، تحتاج الحكومات لتطوير أطر العمل الناظمة ولتذليل العوائق أمام تأسيس الشركات الجديدة والأعمال القائمة. وللنساء على وجه الخصوص، فإن خلق برامج لريادة الأعمال وتحفيز اهتمام الشابّات في الفرص الرياديّة قد يكون له فائدة بعيدة المدى.
بالرغم من توقّع احتواء الشركات الصغيرة والمتوسطة لحصة مهمّة من زيادة فرص العمل في المنطقة، إلّا أن 7% فقط من الشابّات الباحثات عن عمل أشرن لإمكانية عملهنّ في شركة صغيرة أو متوسطة محلية، بينما 35% منهن اخترن الشركات متعدّدة الجنسيات، و26% اخترن القطاع العام. هذه التفضيلات لا تتفق مع الواقع الفعلي لنسب توزيع عمالة المرأة في القطاعات المختلفة: 23% منهن يعملن في شركات صغيرة أو متوسطة، و22% في شركات متعدّدة الجنسيات، و17% في القطاع العام. كي نجذب عددًا أكبر من النساء لشغل وظائف في الشركات الصغيرة والمتوسطة، على هذه الشركات تركيز مواردها لتبنّي سياساتٍ ذات أولويةٍ مرتفعةٍ كساعات عمل مرنة أو توفير رعاية للأطفال، وعليها الاستفادة من شبكة معارف موظّفيها الحاليين في التوظيف.
درَسَت الحكومات ومجتمع التنمية الدولي والمنظمات الأخرى، ولسنواتٍ عدّة، العواملَ المساهمة في انخفاض نسب توظيف النساء في المنطقة العربية. فالمعايير الثقافية والاجتماعية والأدوار الجندرية النمطيّة، والتمييز في ممارسات التوظيف والتعويض، وبيئات العمل غير المواتية، كلّها كانت عوائق أمام تقدّم المرأة في عملها. تقدّم وثيقة «الوظائف الأولى للشابات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» رؤيةً جديدةً لهذه القضايا وتحدّد مسارات واضحة للعمل. ستكون زيادة مشاركة المرأة في مكان العمل في المنطقة مهمّة كبيرة، ولكنّ ثمار هذه الجهود ستكون أيضًا مهمّة. الآن هو الوقت المناسب كي نعمل بجدّ.
نقلا عن "الحدث"