رام الله – الاقتصادي - زاهر بسيوني- تشير احصائيات سلطة النقد أن اجمالي محفظة التسهيلات القائمة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة لدى المصارف قد بلغت 453.9 مليون دولار في نهاية العام 2014 وأما بالنسبة للمصادر الأخرى والتي تتمثل بمؤسسات الاقراض فقد بلغت 97 مليون دولار للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
هذا الرقم يدل على أن هناك رغبة عالية من المجتمع الفلسطيني للخوض في تجربة انشاء مشاريع لتحسين ظروفهم المعيشية كما ويدلل على محاولة الناس لتخطي ظروف الفقر ومحاولة تحقيق الاكتفاء الذاتي الاقتصادي وذلك لعدة أسباب منها عدم استدامة أي مساعدات خارجية، ومحاولات الأفراد للحياة باستقلالية دون الاعتماد على أي أطر حزبية أو فئوية.
ايجابيات وسلبيات القروض
إن القروض التي توفرها البنوك ومؤسسات الاقراض تساهم في دعم وخلق مشاريع ناجحة تساهم في تحسين ظروف المقترض وينعكس ذلك على وسطه المحيط ولكن حين يتعثر المقترض تتحول المنظومة الداعمة إلى عبء يطالبه بشكل شهري بدفعات تتراكم مع الوقت وتجبر كلا الطرفين في خوض نزاعات مالية وقانونية، لذا توجب على المقترض كي لا يصل إلى حالة التعثر إلى البحث عن بدائل وحلول أفضل من الاقتراض.
ينصح خبراء ماليون المقترضين الراغبين في الحصول على سيولة باتباع مجموعة من الخطوات، من ضمنها ترشيد النفقات وتقنين الاستهلاك الزائد عن الحاجة، ووضع خطة مالية واضحة تعبر عن الوضع المالي الحالي، وقيمة الدخل والانفاق، وأهم هذه الخطوات هو الحصول على السيولة من خلال البدء بالادخار وحتى إن كان موسميا يعتمد على صناعات أو محاصيل معينة، المهم أن يتحقق الادخار. لذا يتوجب التفكير باتباع نظام يضمن الخطوات السابقة واهمها تحقيق الادخار
جمعيات الادخار والقروض القروية
قامت مؤسسة كير الدولية في العام 1991 بتطوير "جمعيات الادخار والقروض القروية"وهو عبارة عن نموذج للإقراض والتمويل والذي يدار ذاتيا من مجموعة من الأفراد خارج أي منظومة رسمية، وقد انتشر في أكثر من 73 دولة حول العالم معظمها في القارة الإفريقية وقد وصل عدد المستفيدين المباشرين من هذا النظام إلى أكثر من 11 مليون شخص وذلك بعد أن تبنى النظام مجموعة من المؤسسات الدولية أذكر منها مؤسسة انقاذ الطفل والرؤية العالمية ومنظمة وي افكت السويدية.
فكرة هذا النظام تعتمد بشكل أساسي على مجموعة مكونة من 10 إلى 25 شخص يسكنون في حي أو قرية صغيرة يتشاركون فيها قيم وتقاليد مجتمعية مماثلة، يجتمعون مرة أسبوعيا على الأقل وشهريا على الأكثر للادخار أو للاقتراض كلا حسب حاجته، ويحق لكل مشارك بأن يشتري من سهم حتى 5 أسهم بمبلغ تتفق عليه المجموعة مسبقاً ومن ثم يحق للشخص الاقتراض بما لا يتعدى 3 أضعاف عدد أسهمه، فان كان عدد أسهمه 5 وقيمة كل سهم 200 دولار فيحق له اقتراض ما قيمته 3000 دولار وفي العادة تقرر المجموعة نسبة الفائدة على المقترض مسبقاً وبالتالي ترتفع قيمة السهم مع الوقت عند اضافة أرباح المجموعة عند انتهاء دورة النظام والتي لا تتعدى عاما كاملا.
بحسب المؤشرات الإحصائية الصادرة عن سلطة النقد فقد تنامت ظاهرة كفالة القروض الشخصية في المجتمع الفلسطيني خلال السنوات القليلة الماضية إلى 119% وهذا الارتفاع يشير إلى وجود شبكة اجتماعية قوية تسمح باستغلال العلاقات وعكسها في الشؤون المالية، وبالتالي فإن هناك بنية متينة تسمح بتطبيق نظام "جمعيات الادخار والقروض القروية" بسهولة.
الصندوق الاجتماعي والفقراء
ومن التفاصيل الهامة في نظام "جمعيات الادخار والقروض القروية" هو وجود صندوق اجتماعي، يقوم المشاركون بوضع مبلغ مالي بسيط فيه كل اجتماع دوري لهم يتم تحديد قيمة المبلغ في دستور أعدوه مسبقاً، كما ويحتوي الدستور على مجموعة من القوانين التي يتبعونها والمخالفات والغرامات الواجب دفعها.
ومن خلال الصندوق الاجتماعي والذي يهدف بشكل أساسي إلى خلق روح الفريق والتعاون بين المشاركين من خلال دعم الحالات الطارئة كالوفاة مثلاً أو أي ظرف يتطلب مساندة الأفراد لبعضهم، ودائما ما يحتوي على مبلغ قليل.
إن فكرة النظام تدعم بشكل أساسي الفقراء الذين لا يستطيعون توفير أي نوع من الضمانات للبنوك وهم بنفس الوقت بحاجة إلى خلق مبادرات تحسن من وضعهم المادي وكل ما يرتكزون عليه هو شبكة اجتماعية قوية تتمثل بعلاقات في الحي أو القرية والتي لا يمكن تقييمها وعكسها بشكل مالي بالنسبة لأي جهة تمنح القروض.
المجتمع العربي والشريعة الإسلامية
إن المجتمعات العربية بشكل عام تقوم بتبني أنظمة وآليات عمل تم تطويرها في بلدان مختلفة ودائما تحاول ملائمتها لواقعها، في معظم الأحيان لا نقيس أثر استخدام هذه الآليات ونركز أكثر على استخدامها ونادرا ما نطور هذه الآليات لقلة معرفتنا بكيفية نشأتها.
يتميز هذا النظام بسلاسته وسهولة قياس أثر استخدامه وأيضا سهولة تطويره ليلائم قيم وظروف المجتمع الذي يستخدمه، فقد تم تطويره إلى عدة أشكال ليتناسب مع المجتمعات المحلية، فعلى سبيل المثال لا الحصر فقد تم تعديله ليتناسب مع الشريعة الإسلامية وذلك من خلال إلغاء الفائدة المترتبة على القروض، فالقروض التي تستفيد منها المجموعة لا تخضع للفائدة، فالمقترض يرجع المبلغ نفسه.
ولكن للحفاظ على زيادة الأرباح ورفع قيمة السهم فقد تم وضع رسوم يدفعها المقترض لمرة واحدة عند استلام قرضه، وفي نهاية العام وعند توزيع الأرباح يتم توزيع رسوم القروض على الأعضاء كجزء من الأرباح.
نظرة عالمية للنظام
يعتقد هيو ألن وهو أحد الخبراء والمطورون لهذا النظام بأن "جمعيات الادخار والقروض القروية" لا يقلل من شأن العديد من مصادر التمويل المتوفرة في الوطن العربي كالبنوك أو جمعيات الادخار والاقراض ولكنه يتميز بالتالي:
ويرى محمد خالد مدير منظمة وي افكت السويدية في فلسطين بأن بعد النجاح التي حققته المنظمة خلال السنوات الماضية في نشر وتطبيق هذا النظام في افريقيا وبعض دول جوب شرق اسيا فقد قررنا دعم مبادرات نقله وأقلمته ليتناسب مع الواقع في فلسطين وذلك لضعف تكامل الخدمات المالية المتاحة لفئات محدودي الدخل والأشخاص الذين لا يفضلون التعامل أو الاقتراض من أنظمة الاقراض المعمول بها حاليا. لذا توجب تسليط الضوء على أنظمة مساندة وبديلة لتمويل الريف والتعاونيات وتحديداً النسوية، وهو أيضاً نموذج بسيط خالي من التعقيدات التي توجد في برامج التمويل الأخرى ويسمح للفقراء بالحصول على التمويل في الوقت الذي يحتاجونه.
نظرة شمولية
ومن مخاطر هذا النظام هو انسحاب المقترض بعد الاستفادة من القرض أو عدم مقدرة أحد الأعضاء من تسديد قيمة القرض أو الادخار بسبب أي ظروف طارئة، ولكن تبقى البنية المجتمعية سبيلاً لدفع المتعثر لمحاولة تسديد المبلغ وعدم إلحاق الضرر بمحيطه.
ولكن يسمح هذا النظام باطلاع ومشاركة الظروف المالية للآخرين، وتحسين التفاعل الاجتماعي بين الأعضاء وتطوير المهارات التنظيمية للأعضاء، كما ويزيد فرص دمج ودعم مشاريع لبعضها.