ازدادت معدلات الهجرة إلى المدن الكبيرة أملاً في الحصول على وظائف أفضل والتمتع بمستوى حياة أعلى، بيد أن تزايد عدد الأفراد المهاجرين إلى المدن يُحدث اكتظاظاً، ويضغط على الموارد المحدودة كالطاقة والمياه، ويكثر الطلب على الخدمات مثل الصرف الصحي والرعاية الصحية والتعليم.
وفي سبيل تلبية تلك الاحتياجات بزغ مفهوم المدينة الذكية منذ أكثر من عقد، التي تستشرف المستقبل على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
وتسمح هذه المدن برصد البنية التحتية الأساسية، ومن ضمنها الطرق والجسور والأنفاق والسكك الحديدية وأنفاق القطارات والمطارات والموانئ البحرية والاتصالات والمياه والطاقة، بل والأبنية الرئيسية، من أجل الوصول إلى الدرجة المثلى من الموارد والأمن.
كما تسمح بتعظيم الخدمات المقدمة للمواطنين، وتوفر بيئة مستدامة تعزز الشعور بالسعادة والصحة، وتعتمد هذه الخدمات على البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
-نمو
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قامت شركتا "EMC الشرق الأوسط" و"IDC"، بدراسة بحثية تهدف إلى تمكين ودعم جهود الحكومات حول العالم، وفي المنطقة لتحويل مدنها إلى مدن ذكية.
ويأتي طرح هذا المستند البحثي في وقت تنمو فيه المدن الكبرى بوتيرة متسارعة بالتزامن مع التحول الرقمي، الذي يشهد إقبالاً هائلاً على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في أوساط الأفراد والشركات والحكومات، وهو ما يشكل قوة دافعة للتحول الاجتماعي والاقتصادي في مختلف المدن حول العالم.
وقد كشف تقرير للأمم المتحدة (صدر حديثاً) أنه سيتمركز بحلول العام 2050 ما يقارب 70% من سكان العالم في المدن الكبرى، وهناك توقعات كبيرة بأن تستحوذ دول مجلس التعاون الخليجي على أحد أعلى معدلات التجمع السكاني على النطاق العالمي بنسبة تراوح بين 80% و100%.
-رؤية الخليج
وبدأت دول مجلس التعاون الخليجي تشهد بالفعل التحول المدعوم بالابتكار لمدنها في مختلف أنحاء المنطقة، فهناك مدن في المملكة العربية السعودية مثل جدة ومكة المكرمة والرياض، قد تم وضعها في الخطة لإحداث هذا التحول.
وفي إطار بلورة رؤية 2030، تسعى دولة قطر للتحول إلى نموذج المدن الذكية، وتطبق حالياً هذا النموذج على مدينة اللوسيل، التي من المقرر لها أن تكون مركزاً للبنية التحتية المتكاملة والشبكات ووسائل النقل الذكية. واتخذت دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة زمام المبادرة في نشر الخدمات الذكية التي يتم استخدام المئات منها الآن وبشكل فعلي.
وقد أسهم معرض إكسبو 2020 في دبي، في زيادة تحفيز الحكومة المحلية على اعتماد الخدمات الذكية، وتتماشى هذه المبادرات مع تطلعات حكومات دول الخليج العربي، لتحسين جودة الحياة لمواطنيها وتشجيع رجال الأعمال ودفع عجلة النمو الاقتصادي في المستقبل.
-صفات المدن الذكية
يوضح البروفيسور سخار كوندبودي، الأستاذ في الجامعة الوطنية في سنغافورة، في حديثه لصحيفة "وول ستريت جورنال"، "أنه قد لوحظت الصفات الرئيسية التالية للمدن الذكية المستدامة: الاستدامة، وجودة الحياة، والذكاء، وتتعلق الاستدامة بالحوكمة والتلوث وتغير المناخ وعوامل أخرى.
وتابع: "تتعلق جودة الحياة بالرفاه المالي والوجداني، أما الذكاء فيتعلق بالطموح الضمني أو الصريح إلى تحسين المعايير الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، على سبيل المثال، والحراك الذكي مثال على ذلك".
وبحسب كوندبودي، "يمكن تقييم المدن الذكية المستدامة باستخدام من خلال أربعة عناصر واسعة النطاق: المجتمع، والاقتصاد، والبيئة، والحوكمة، ويفيد محك المجتمع في تبيّن كون المدينة موجودة من أجل أهلها".
وتشتمل المدن الذكية المستدامة التي تسير فيها الأمور على ثمانية عناصر للبنية التحتية المادية والخدمة، فعلى سبيل المثال، تتكامل في العقارات تكنولوجيات مجالات عدة، مثل الإضاءة والسلامة والطاقة المتجددة، ويتّبع فيها النهج التحليلي الذكي فيما يخص الأبنية.
وتعمل المدن الذكية على انعدام الانبعاثات الصناعية وتطور تقنيات تصنيع ابتكارية، وتدير شركات الطاقة ومرافقها شبكة ذكية واتصالات لا سلكية.
وتستخدم المدن الذكية شبكات خاصة وذكية للقضاء على مخلفات الصرف الصحي، وتوفير المياه والكهرباء، وتسهر على الأمن من خلال المراقبة الفيديوية، كما تقدم العيادات الطبية الرعاية الصحية عن بُعد وتدير الملفات إلكترونياً، بالإضافة إلى أن المؤسسات التعليمية تقدم محتوى رقمياً وتعلماً مرناً تفاعلياً يفي بأعلى معايير الامتياز على الصعيد العالمي.