رام الله- الاقتصادي- حسناء الرنتيسي- الطبيعة الخلابة والمتنوعة في فلسطين تمثل خاصية تقتضي وجود كنوز طبيعية كالنحل، وهذه الطبيعة تسمح لإنتاج العسل ثمانية اشهر بالسنة بدلا من شهرين كما في بعض الدول الاخرى.
وتعد مشاريع تربية النحل أحد أهم فروع الإنتاج الزراعي الحديث، الأقل كلفة،باستغلالها رحيق الأزهار لإنتاج العسل، وبالتالي تعدّ ثروة مدفونة ما لم يتم استغلالها ودعمها وتطويرها.
العسل قديما
اعتنى المزارع الفلسطيني بالنحل منذ القدم، وكان يسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتوفير ما يحتاج إليه الناس من غذاء ودواء، معتبرا تربية النحل هواية لا مهنة.
وكانت مساكن النحل تسمى "قواديس"، وهي عبارة عن خلايا فخارية تشبه الأنابيب، وتوضع فوق بعضها، وقد تصنع من الطين والقش، وكانت توضع في بساتين الأشجار القريبة من مسكن المزارع.
وكان المزارع الفلسطيني يضع حوض ماء نظيف من الصخر تطفو على وجهه عيدان نباتية، يسهل وقوف النحل عليها للشرب في أيام الصيف والحر.
ثم تطورت الخلايا في فلسطين كباقي دول العالم حيث أصبحت من الخشب، وتتسع لعشرة براويز، وذلك في عهد الانتداب؛ حيث تم إدخالها أولاً للمدارس الزراعية، ثم انتشرت تدريجيا بعد عام 1967.
الدخل السنوي
وبخصوص النحل الفلسطيني فهو يشبه تماما النحل السوري ومنه صنفان: الأول اصفر ليموني يسمى حارثي وهو شرس الطباع قليل الإنتاج للعسل، والثاني يميل إلى السمرة وهو أهدأ نسبيا واكثر إنتاجا للعسل .
أما حاليا فيقوم الفلسطينيون بتربية النحل على أحدث طرق علمية في هذا المجال ويستخدمون أحدث الأجهزة والتقنيات في تربية النحل ومنتجاته ويبلغ عدد خلايا النحل في فلسطين كرقم تقديري حوالي 45 ألف خلية ومعدل إنتاجها السنوي 450 طنا من العسل الصافي .
ويقول وليد اللحلوح، مدير دائرة النحل في وزارة الزراعة انه يعمل على اعداد احصائية لكمية الانتاج السنوي من النحل الفلسطيني، الا انه وبالمجمل تراجع قطاع تربية النحل، وتراجع الانتاج بشكل كبير، وكذلك تراجعت عدد خلايا النحل.
اما عوامل تراجع الانتاج حسب اللحلوح فهي قلة الامطار وعدم توزعها بشكل منتظم خلال العام، كذلك انتشار المبيدات الحشرية ومساهمتها في قتل النحل.
ويقول المزارع عدنان حنون النحل "البلدي" شرس ويصعب حبسه في خلايا، وبالتالي يتوجه معظم المزارعين الفلسطينيين الى تربية النحل الايطالي والقوقازي والاوكراني.
تكاليف الخلايا
اما عن ثمن الخلية فيقول حنون إن الخلية تكلف 650 شيقلا بمواصفات خلية جيدة، واذا كان بها 10 براويز، وهناك تكاليف اضافية تضاف إلى هذا السعر، من حيث حجز الملكات وغيره.
ويشير حنون الى أن الاستثمار في تربية النحل يحتاج خبرة جيدة، وبامكان المتدرب الذي حصل على خبرة او تلقى تدريبات كافية في تربية النحل ان يبدأ مشروعه الاستثماري بخمس خلايا، على ان يهتم بها ويحرص على تنقيلها من مكان لآخر للحصول على إنتاج وفير.
يقول حنون "انقل الخلايا عادة بين محافظات الوطن حسب المواسم، وحسب فترات الازهار والخصائص لكل منطقة، وبالتالي احصل على انتاج جيد ومتنوع".
ويضيف "اذا وضعت الخلية في مكان ولم انقلها تنتج من 10-12 كيلو عسل بالسنة، بينما اذا داومت على نقلها بين عدة اماكن يكون انتاجها بين 25-30 كيلو بالسنة او اكثر من ذلك في المواسم الجيدة".
اما سعر الكيلو فيكون حسب نوع العسل، ويتراوح السعر ما بين 60-100 شيقل، عسل السدر والزحيق مثلا يكون سعره اعلى قليلا، كونها اعشابا نادرة والانتاج يكون قليلا، بينما الأنواع الاخرى من العسل التي تعتمد على رحيق الازهار العادية فيكون سعرها اقل لوفرة الاعشاب".
كما اشار حنون الى عوامل اخرى تساهم في زيادة الانتاج او خفضه، مثل حالة الطقس ووفرة الامطار، وكذلك استخدام المبيدات التي تقضي على الأعشاب وتقلل من كميتها وانتشارها وتنوعها، وكذلك قطع الأشجار وما يساهم به من الحد من مصادر غذاء النحل، وبالتالي يقل انتاجها.
يقول حنون "اخبرني احد التجار انه باع 45 الف كيلو من نوع محدد من المبيدات، تخيل الاثر الكبير لذلك على النباتات، هذا من تاجر واحد فقط، ولنوع واحد، واذا جمعنا مبيعات التجار لهذه المبيدات وحجم الضرر الذي سببته سنخرج برقم هائل من التراجع في الانتاج الذي سببته هذه المبيدات".
العسل الاسرائيلي
واشتكى حنون من غزو العسل الاسرائيلي للسوق الفلسطيني، وقال "العسل الاسرائيلي يغزو أسواقنا، وهو رخيص جدا، مغشوش وكله سكر، وطالبنا وزارة الزراعة بايقاف السماح بدخول العسل الاسرائيلي لأسواقنا، لكنهم تذرعوا بالاتفاقيات التي تقضي السماح بدخول أي منتج يحمل اوراقا ضريبية".
وفي هذا الشأن، قال اللحلوح "اسواقنا مفتوحة ولا حدود لنا، وبالتالي يفترض من الضابطة الجمركية ووزارتي الزراعة والاقتصاد الوطني وحماية المستهلك أن تتعاون فيما بينها للتصدي للعسل غير المرخص، والعسل الذي ليس معه اذونات استيراد، وهذا يشمل العسل المستورد ككل".
شكوى من تقصير للوزارة
لم يفكر حنون للحظة حين حكم على الوزارة بأنها "صفر على الشمال" حسب وصفه، ولحنون مبررراته، فالوزارة منذ عمله في مهنة تربية النحل منذ 24 سنة حتى اللحظة لم تقدم له أي نوع من الدعم أو الارشاد، يقول "خرجنا ستون مزارعا وجلسنا بباب الوزارة للمطالبة بدعمنا، وتحقيق مطالبنا، فخرج احدهم خطب بنا وطلب منا تكوين لجنة، عدنا لمنازلنا ولم يتم تقديم أي شيء لنا".
يتابع حنون "احضروا لنا شرائح لمكافحة امراض النحل، كان من المفترض ان توزع في شهر كانون الثاني الماضي، ولكنهم وزعوها في شهر ايار، كنا قد اشترينا الادوية وعالجنا الخلايا وانتهى الموضوع، هل سننتظر حتى يموت النحل؟ بالنهاية كأنهم لم يقدموا شيئا لنا".
ورد اللحلوح على حنون بقوله ان الشرائح وزعت في التوقيت المناسب، فلو استخدمها المزارع خلال شهر وتحديدا في فترة القطف لدخلت مواد سمية الى الخلايا، وبالتالي يؤثر على العسل، بينما وزعت بعد القطاف، وهذا توقيت افضل من توقيت المزارعين، اما المزارع الذي يوجد مرض في خليته وخاف عليها من الهلاك فعليه شراء الشرائح لمكافحة المرض".
وأضاف حنون أن الوزارة تساعد النحالين اذا رغبوا بذلك، فالنحال الذي يريد مساعدة الوزارة له في التسويق مثلا، عليه ان يأتي للوزارة ويحضر عينة للفحص على حسابه الخاص، وتكلفتها من 180-900 شيقل، يتم فحص العينة في مختبر في جامعة بيرزيت، ويتم تحديد نوع العسل ان كان نخب اول او ثان، حسب النتائج، وتضع المزارع الطابع على المنتج انه فلسطيني واي نخب وغيره من تفاصيل مهمة، ويمكن للوزارة المساعدة في التسويق حينها".
وأشار اللحلوح الى وجود مختبر وموظفين ولديهم وقت كثير لعمل الفحوصات في مختبر الوزارة، لكن الأجهزة والأدوات غير موجودة وتحتاج الوزارة للتمويل حتى تتمكن من شرائها، ويمكن حينها أن تقوم الوزارة بعمل الفحص للمزارعين بأسعار رمزية، مؤكدا ضرورة تدوين واحصاء انتاج الخلايا والتوقع للانتاج حتى تتمكن الوزارة من العمل بشكل جيد، وعلى أسس واضحة.
يضيف حنون "طلبت من صديق من روسيا احضار ملكة نحل، في المطار تم مصادرة الملكة، ودفع غرامة 200 دولار، ولو لم يكن ضابطا متقاعدا لتم حبسه، واخبروه انه سيتم حبسه في المرة القادمة، هكذا تفعل الدول لتحمي انتاجها وثروتها الطبيعية، نحن نفتقر لاي نوع من الدعم والتطوير والخدمات، وبالتالي القطاع في تراجع ووضعه يسوء سنة بعد اخرى".
انتاج متراجع..ودعم غير منظم
يشتكي المزارع ابو احمد من غرب رام الله تراجع انتاج خلايا النحل لديه، يقول "في الماضي كانت خلية النحل الواحدة تنتج بين 10 إلى 25 كيلوغراماً من العسل سنوياً، بينما حاليا تراجع الانتاج ليسجل 5 كغم تقريبا كانتاج سنوي، وهذه خسارة كبيرة يتكبدها المزراع الفلسطيني"، اما عوامل التراجع حسب ابو احمد فهي انحسار المراعي بسبب الزحف العمراني، من بناء مستوطنات ومساكن، اضافة الى الاستخدام المفرط للمبيدات السامة التي يتم رشها على النباتات، وصعوبة نقل الخلايا الى مناطق داخل اراضي 48، وهي الاراضي التي تتسم بوفرة الخضرة والتنوع.
وعن كيفية كشف العسل الجيد من المغشوش، قال ابو احمد ان العسل المتجمد في اسفل الوعاء هو ليس عسلا مغشوشا كما يعتقد البعض، بل هذا العسل تتراكم فيه الفيتامينات الجيدة، وهذا التبلور اسفل الوعاء ناتج عن وجود حبوب اللقاح.
وانتقد المزارع ابو احمد غياب الدعم الحكومي، وخاصة عند تعرض مربي النحل لخسائر كبيرة جراء كوارث طبيعية مثلا، يقول "الوزارة تقدم العون وان كان رمزيا للمزارعين في القطاعات الاخرى، بينما لا تبدي أي اهتمام بقطاع النحل حين يخسرون في مشاريعهم، رغم اهمية هذا القطاع ومساهمته الكبيرة في الناتج المحلي، ورغم انه يساهم في تشغيل عدد كبير من الأسر".
كما انتقد ابو احمد الهيئات والمؤسسات التي تقوم بتوزيع الخلايا رخيصة الثمن، وذات المواصفات السيئة على الأسر الفقيرة وعلى النساء تحديدا في الأرياف بهدف دعمها، فتلك النساء ليس لديهن خبرة كافية لادارة هذه الخلايا، ولا يتلقين التدريب الكافي للمحافظة على استمرارية مشاريعهن، وبالتالي يدرن مشاريعهن بعشوائية ما يسبب بنقل الامراض للخلايا الاخرى، وتتم مشاركة المراعي المحدودة، وبعد فترة تتعرض الخلايا للضعف شيئا فشيئا، ولا يتم متابعة هذه الخلايا وهذه المشاريع من قبل المؤسسات المانحة.
وشاركه في الانتقاد لحلوح، الذي قال إن هذه المؤسسات لا تستشير الوزارة في عملها، وتقدم الدعم دون تدريب كاف، توزع الخلايا، ويمرض النحل، وينتشر لينقل المرض الى الخلايا الاخرى، فهذه العملية غير مخططة وغير مدروسة وهي ظاهرة تسبب المخاطر لقطاع تربية النحل في فلسطين، وخاصة في ظل محدودية المراعي.