رائد محمد حلس
بالرغم من حصول فلسطين على صفة دولة غير مراقب في الأمم المتحدة, إلا أن مجمل أرض الدولة الفلسطينية لا تزال تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي سواء بشكل مباشر أو غير مباشر, وهذا يشكل أكبر تحدٍ وعقبة أمام مجمل العمل الفلسطيني بما فيها العملية التنموية برمتها.
فسيطرة الاحتلال الإسرائيلي وتحكمه بجميع مقدرات الشعب الفلسطيني من حدود وأرض وموارد طبيعية ومناطق زراعية, وكذلك الأجواء والبحر, بالإضافة إلى استمرار الاحتلال في تقطيع أوصال الضفة الغربية, وانتهاك حقوق المواطنين الفلسطينيين في حرية الحركة والتنقل, والتعرض لهم بالقتل والتعذيب والاعتقال والتشريد وتدمير الممتلكات العامة والخاصة.
كما أن الاحتلال لم يتوقف عن تكريس عزل القدس الشرقية وسكانها عن الضفة الغربية, وفرض حصاراً مشدداً على قطاع غزة منذ العام 2007 بهدف عزله عن الضفة الغربية العالم الخارجي, واستهدافه من خلال الاعتداءات المتكررة والتي كان آخرها في منتصف 2014, ووفقاً لتقرير الأونكتاد " أن الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع والاعتداءات الإسرائيلية الثلاثة فتكت بقدرته على التصدير والإنتاج وحطمت بنيته التحية, ولم تترك مجالا لإعادة الإعمار أو الإنعاش الاقتصادي" .
كما لا يزال الاحتلال الإسرائيلي يواصل إجراءاته وسياساته ببناء جدا الفصل العنصري, وبناء المستوطنات في الضفة الغربية الهادفة لسلب الأرض والموارد الطبيعية والمياه, ومنع استغلال موارد مهمة مثل استخراج الغاز من شواطئ غزة والبوتاس من البحر الميت وزراعة الأغوار واستغلالها, حجز إيرادات المقاصة التي تجبيها لصالح السلطة, وتدمير البنى التحتية, وحظر الأنشطة الاقتصادية في المنطقة "ج" في الضفة الغربية, وإنشاء منطقة عازلة داخل أراضي قطاع غزة وعلى امتداد الحدود مع إسرائيل, ومنع الصيادين من تجاوز 3 ميل فقط للصيد, وغير ذلك من الممارسات المقصودة تجاه الأراضي الفلسطينية.
بالتالي نتيجة لاستمرار ممارسات الاحتلال بقى الاقتصاد الفلسطيني يشهد انخفاضاً في معدلات النمو وزيادة في معدلات البطالة والفقر, وتدنياً في حجم الاستثمار وعجز في الميزان التجاري, الأمر الذي أدى إلى انكشاف الاقتصاد الفلسطيني واستمرار تبعيته لاقتصاد الاحتلال.
وقد عمق اتفاق باريس الاقتصادي من التبعية الاقتصادية لاقتصاد الاحتلال , كونه يمثل الإطار المرجعي والمنظم للاقتصاد والعلاقات الاقتصادية للسلطة, خاصة مع إسرائيل, والذي لم يوفر صلاحيات كافية لصياغة السياسات الاقتصادية والتنموية الملائمة والداعمة لبناء مؤسسات الدولة, بل رسخ الآليات التي تكفل استمرار حالة التبعية مع الاحتلال الإسرائيلي.
ليس ذلك فحسب فقد ساهم اتفاق باريس في تدمير كافة الجهود التي قامت بها الحكومات الفلسطينية المتعاقبة ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص, والمؤسسات الدولية والأممية, وحد أيضاً من قدراتها على إعداد وتنفيذ سياساتها الرامية لتحقيق التنمية في المجتمعات المحلية وجسر الفجوة التنموية بين المناطق الفلسطينية لعدم سيطرتها على كافة الأرض الفلسطينية التي احتلت في العام 1967, وعليه فإن التخلص من التبعية الاقتصادية يتطلب أولاً وأخيراً السيطرة الفلسطينية الكاملة على الأرض والموارد والمعابر والحدود (زوال الاحتلال).
رائد محمد حلس
باحث وكاتب في الشؤون الاقتصادية
غــزة – فلســطين