يحتفل الجزائريون كل عام بالمولد النبوي الشريف، وسط طقوس خاصة بهم تتنوع بين مختلف مناطق البلاد، ولكنها تظل جزءاً من الموروث الذي يحرض على الحفاظ على رمزيته العالية المرتبطة بهذه المناسبة.
وتماشياً مع الطريقة العربية التي تربط الاحتفالات بالطعام والكرم، تتتزين الموائد عشية ذكرى المولد بأنواع الطعام التي تختص بها المنطقة، والتي نجد على رأس قائمتها "الرشتة" التي تطبخها النساء في العاصمة بشكل خاص، وتتكون من خيوط طويلة من العجين الذي يسقّى بالمرق الأبيض أو الأحمر مرفوقا بالدجاج أو باللحم والخضروات، ويذكر التاريخ أن أول ظهور لهذا الصنف من الطعام كان في كتاب "تاريخ ابن خلدون" الذي يروي زيارته للقائد المغولي تيمورلنك: "ثم أشار إلى خدمه بإحضار طعام من بيته يسمونه "الرشتة" ويُحكمونه على أبلغ ما يمكن، فأُحضِرت الأواني منه وأشار بعرضها عليّ، فمثلتُ قائماً وتناولتها وشربت واستطبت، وقع ذلك منه أحسن المواقع، ثم جلست وسكتنا"، والغريب في الأمر أن "الرشتة" اختفت من موطنها الاصلي في بلاد فارس وما بين النهرين، ووجدت لها موطنا في الجزائر، وارتبطت بمنطقة العاصمة وما جاورها كموروث راسخ في ديباجة العادات والتقاليد والاحتفالات.
أما في مناطق أخرى فنجد أطباقا مثل الكسكسي المعروف في كامل منطقة المغرب العربي، إضافة إلى الرقاق الذي يقطع ويقدم مع الصلصة الحمراء الحّارة، أو الثريدة والعيش الذي يكون عبارة عن كرات صغيرة جدا من العجين تطبخ في صلصة حمراء مع اللحم والبهارات.
وعلى اختلاف هذه الأطباق التي لا يعرفها العالم العربي واختلاف مناطق سيادتها على الموائد الجزائرية، فإن الغرض منها يظل واحداً، ويتمثل في جمع كل أفراد العائلة حول المائدة لغرس قيمة المشاركة والمحبة والتعاون، إضافة إلى تقديم بعض منها إلى الجيران كدلالة على التكافل الاجتماعي وتبادل الخير والإحسان.
أما في صبيحة المولد النبوي، فتصنع النساء "الطمينة" التي تتكون من دقيق القمح والعسل والزبدة، وترتبط بمناسبات استقبال المواليد الجدد في العائلة بشكل عام، لكنها تكتسي أيام المولد الديني صبغة خاصة وتصبح جزءاً من الحدث الذي يظل مدعاة للفرح والدعوة لطريق المحبة بحلوله كل عام على جميع الأمة الإسلامية.