مع اقتراب إتمام الحرب في سوريا لسنتها الخامسة، ومع الخسائر المتتالية التي تلقتها المنظومة الاقتصادية السورية تثار التساؤلات حول مصادر الدخل التي يقوم من خلالها نظام الأسد بإدارة شؤون المناطق التي تقع تحت سيطرته، خاصة أن التصريحات الرسمية تحدثت عن أن ميزانية الدولة تحددت بقيمة 9 مليارات دولار، الأمر الذي يدعو لدراسة العوامل التي تقف وراءها.
في تحليل نشره الملحق الاقتصادي لصحيفة "هآرتس" العبرية وصف الخبير الاستراتيجي، تسبي بارئيل، الاقتصاد السوري بأنه "سحر"، إذ لا تُعرف جميع مصادره أو كل مسببات بقائه. وفي محاولة لتحليل المصادر يرى بارئيل أن إيران تزود سوريا بخطوط تمويل غير محدودة تقريباً، كما أن روسيا تعطي حصّتها من ذلك أيضاً، هذا إلى جانب استفادة نظام الأسد من تقلص عدد السكان القاطنين تحت سيطرته بعد وصول عدد اللاجئين إلى 4 ملايين، ونزوح بضعة ملايين آخرين إلى مناطق سيطرة المعارضة، لكن هذه العوامل لا تفسر بشكل كامل من أين يأتي نظام الأسد بأموال دفع الرواتب وصيانة المدارس وتزويد الوقود.
فبحسب معطيات موثوقة جمعتها الصحيفة جاء أن سوريا لا تمتلك أي إيرادات، وأن أي استطلاع أو محاولة تحقيق في ذلك تعتمد على تقديرات وتخمينات. بل إن البنك الدولي يجد أن من الصعب التقاط معطيات حول اقتصاد الدولة المنهارة، لكنه قدّر في تقرير أصدره في سبتمبر/أيلول الماضي أن الواردات في عام 2014 وصلت فقط لـ6% من مجمل الناتج القومي، وأن العجز في الميزانية عام 2015 سيصل إلى 22% من الناتج المحلي.
أما المدخولات من النفط التي وصلت إلى 4.7 مليار دولار عام 2011 فتقلصت إلى 220 مليون دولار عام 2014، ومن المتوقع أن تهبط أكثر إلى 140 مليون دولار حتى نهاية العام الحالي. كما أن احتياطي النقد الذي كان 20 مليار دولار عام 2010 أصبح 700 مليون فقط خلال عام 2015.
وإن دلت هذه المعطيات على شيء فهي تدل على أن خزينة الدولة فارغة، وهذا ما يطرح التساؤلات عن مصادر الدخل الإضافية. وهنا تقول الصحيفة إن فرض الضرائب على "كل ما يتحرك" في سوريا هو إحدى الطرق التي يتبعها النظام من أجل تزويد خزينته بالقليل من المال، فعلى سبيل المثال، تقرر الأسبوع الماضي فرض الضرائب على أكشاك الوجبات السريعة بنسبة 10% على كل وجبة شاورما أو أي شطيرة أخرى يبيعونها.
إلى جانب ذلك، أبلغت السلطات أصحاب المقاهي والمحلات أن الضريبة فرضت على كل كرسي إضافي يوضع في القهوة سواء خارجها أو داخلها، وإن كان فارغاً. ويضاف هذا إلى أمر آخر أثار غضب المستوردين الذين أبلغوا بأن عليهم إيداع مبلغ بقيمة البضاعة المستوردة في البنك المركزي إلى حين وصول بضاعتهم للسوق، هذا إلى جانب إيداعهم المبلغ نفسه في البنك التجاري، وعليه لم يوجد تفسير لهذا الأمر سوى سعي نظام الأسد لتقليل كمية العملة السورية في السوق، وهذا ما قد يساهم في رفع قيمتها.
لكن على الرغم من فرض الضرائب على أصحاب الأكشاك والمقاهي والمستوردين، فإن نظام الأسد غير قادر على السيطرة على تهريب البضائع لداخل سوريا؛ بسبب فقدانه السيطرة على النقاط الحدودية مع تركيا خاصة. من ناحية أخرى، يعتبر سيطرة تنظيم "الدولة" على منشآت النفط ضربة قاضية للاقتصاد السوري؛ ففي حين كانت تنتج في الماضي أكثر من 380 ألف برميل يومياً أصبحت الآن لا تنتج أكثر من 30 ألف برميل.
وفي هذا السياق يؤكد الكاتب أنه فيما يخص النفط أصبحت سوريا تهرّب لنفسها؛ أي إن نظام الأسد يشتري النفط من تنظيم "الدولة" بنصف السعر العالمي، وجاء ذلك بحسب تقديرات وزارة المالية الأمريكية التي فرضت عقوبات على رجال أعمال سوريين في نوفمبر/تشرين الأول الماضي؛ للاشتباه بتورطهم في الوساطة بين النظام السوري وتنظيم "الدولة" لعقد صفقات لشراء النفط.