في التبعية البيئية...
AHC: 0.80(%)   AIB: 1.08(0.92%)   AIG: 0.17(%)   AMLAK: 5.00(%)   APC: 7.25(%)   APIC: 2.27(%)   AQARIYA: 0.78(%)   ARAB: 0.82(1.23%)   ARKAAN: 1.29(1.53%)   AZIZA: 2.84(%)   BJP: 2.80(%)   BOP: 1.49(0.00%)   BPC: 3.74(%)   GMC: 0.76(%)   GUI: 2.00(0.00%)   ISBK: 1.12(%)   ISH: 0.98(%)   JCC: 1.53( %)   JPH: 3.58( %)   JREI: 0.28(%)   LADAEN: 2.50( %)   MIC: 2.47(%)   NAPCO: 0.95( %)   NCI: 1.75(%)   NIC: 3.00(0.00%)   NSC: 2.95(%)   OOREDOO: 0.79(0.00%)   PADICO: 1.01(0.00%)   PALAQAR: 0.42(%)   PALTEL: 3.91(0.26%)   PEC: 2.84(%)   PIBC: 1.09(%)   PICO: 3.50(%)   PID: 1.91(0.53%)   PIIC: 1.72(%)   PRICO: 0.29(3.33%)   PSE: 3.00(%)   QUDS: 1.06(1.85%)   RSR: 4.50(%)   SAFABANK: 0.68(%)   SANAD: 2.20(%)   TIC: 2.98(%)   TNB: 1.20(%)   TPIC: 1.95(0.52%)   TRUST: 2.85(%)   UCI: 0.38(%)   VOIC: 5.29(%)   WASSEL: 1.00(0.00%)  
11:12 صباحاً 14 آب 2024

في التبعية البيئية...

الاقتصادي- خاص بآفاق البيئة والتنمية- جبريل محمد- إذا خلقت التبعية قوانينها الخاصة في الاقتصاد والتنمية، فقد قدمت أيضا مظاهرها المختلفة بشكل كلي وشامل، من الثقافة الى الفن الى القيم والعادات والسلوكيات البشرية، حيث شكلت هذه المظاهر محاولات لتجميل واقع النهب وحجز التطور من خلال نشر مفاهيم مثل (العصرنة، التحديث، ...الخ)، وقامت النخب التابعة بمحاكاة الحياة في المركز الرأسمالي العالمي، لا في جوهرها، بل في مظاهرها الشكلية والمزيفة، بحيث بدت كل اشكال العصرنة والتحديث كنبت شيطاني في المجتمعات التي خضعت للتبعية، والتي أرسيت فيها مظاهر التشوه في كل مجالات الحياة، وسادت نزعة التغريب والاستهلاك والنزعة الدونية تجاه المركز الرأسمالي، دون وعي ان كل ما حققه هذا المركز هو نتاج الحفاظ على البلدان الاقل تطورا تابعة ومستنزفة.

فهل كانت البيئة أمرا او موضوعا محايدا، خارج كل مظاهر الاستقواء الاستعماري قديمه وحديثه؟ ام أنها تعبير شديد الوضوح عن ما آلت اليه عملية تتبيع المجتمعات لهذا المركز؟ فالبيئة بتعريفها الشامل هي موضوع حياة البشر سواء على المستوى العالمي ام على مستوى التقسيمات الدولية للعمل، ومن هنا فان فرضيتنا تقول إن التبعية البيئية هي نتاج طبيعي للتبعية الاقتصادية والسياسية والثقافية، وان هذه التبعية في مجال البيئة أنتجت علاقات على هذا المستوى ترسخ هذه التبعية في البلدان المتخلفة.

ما هي التبعية؟

في هذا المجال ظهرت أواخر الستينيات في اميركا اللاتينية وغيرها من البلدان أفكار ونظريات تعالج التبعية، شكلت مدرسة في الفكر التنموي الانساني، حيث برز بين مفكريها ايمانويل فالرشتاين وسمير امين واندريه جوندر فرانك. تفترض هذه النظرية او المدرسة بأن "علاقة التبعية والاستغلال التي تعرضت لها الدول التابعة من جانب الدول الرأسمالية المتقدمة لم تؤد الى اي شكل من أشكال التنمية"، وانما أدت الى مزيد من التخلف في هذه البلدان التابعة يقابله مزيد من التنمية والرفاهية في البلدان الرأسمالية المتقدمة. وهذا امر منطقي طالما ان الفائض المنتج في الدول التابعة أياً كان شكل انتاجه، ينقل باستمرار الى مركز العالم الرأسمالي المتقدم"1] . وفسرت هذه النظرية التخلف في البلدان النامية بالشروط "غير المتكافئة للعلاقة بين هذه البلدان وبين المركز الرأسمالي، وتعمل هذه الشروط على استمرار استنزاف الفائض من البلدان النامية وعدم السماح بتراكمه في هذه البلدان"، حيث تؤكد على ان العلاقات الاستغلالية التاريخية هي التي ضمنت امتصاص وتحويل الفائض من المراكز الى الاطراف أياً كانت هذه المراكز (الدول الصناعية الغربية مقابل الدول المتخلفة على مستوى العالم)، (المدينة مقابل الريف على مستوى الدول المتخلفة).

هل هناك تبعية بيئية؟

يؤكد أكثر من باحث أن التبعية البيئية قائمة بفعل التبعية الاقتصادية، وتتركز هذه التبعية في مجالات الانتاج الزراعي، ودفن النفايات الخطرة المنتجة في بلدان المركز في اراضي الدول التابعة وبموافقة السلطات فيها، ونقل الصناعات الخطرة بيئيا الى البلدان المتخلفة تحت شعار التحديث والتصنيع، كما حصل لدى ما يعرف بالنمور الآسيوية، ويحصل الآن في افريقيا جنوب الصحراء.

ازديادُ عددِ السكّان، وانخفاضُ الانتاجِ الزراعي، وتحسُّنُ الأنظِمةِ الغذائيّةِ أدّى إلى ارتفاعٍ كبيرٍ في الطلبِ على المنتَجاتِ الغذائيّة، وهذا ما استفادَ منه المصدِّرون العالميّون. إذ إنَّ الخارجَ يُلبّي حاليّاً حاجةَ 45% من حاجاتِ المنطقة العربية وقد تصل هذه الحاجةُ إلى 70% مع حلولِ عام 2050، إنْ لم يَحدُثْ تغيُّرٌ جَذرِيٌّ في تلكَ الغُضون.[2]

وتعتبر مناطق الوطن العربي بشكل خاص الاكثر تبعية في مجال الغذاء، حيث تستورد أكثر من 40% من حاجاتها الغذائية بفعل التغيرات التي حصلت على النمط الزراعي وبحكم التغيرات البيئية المناخية والضغطِ على المواردِ الطبيعِيَّة. فالمِنطَقة تُعاني من الجَفاف، كما أنَّ المساحاتِ الصالِحةَ للزراعةِ نادِرةٌ وكذلِك المياه، ما ادى لارتفاع التبعِيَّة الغذائيَّة للمِنطَقةِ من 10% إلى 40% خلالَ خمسينَ سنة. وباتت أحدَ أكبرَ مستوردي الحبوبِ في العالم. ارتفَع استيراد الحبوبِ من 5 ملايين إلى 44 مليون طنّاً. وكذلك حال المُنتَجاتِ الرئيسيَّةِ في الأنظِمةِ الغذائيَّة: فاستيرادُ السكَّرِ ازدادَ بنسبةِ 15 ضعفاً، وازدادَت مُنتَجات البذورِ الزيتِيَّةِ بنسبةِ 30 ضعفاً.[3]

جاء الاهتمام المتأخر بقضايا البيئة من طرف المفكرين والاقتصاديين بسبب موقف الفكر الاقتصادي الليبرالي من الموارد الطبيعية مثل الماء والهواء... الخ، إذ أن نظرته للموارد الطبيعية تتمثل في أنها متوفرة بشكل غير محدود في الطبيعة، فاهتمامهم يرتكز فقط على الادخار والاستثمار والنمو دون اي اهتمام بشأن الآثار البيئية واستنزاف الموارد الطبيعية وتلويت البيئة. لكن ما انتجته سياسات المركز الرأسمالي بنقل الاضرار البيئية من بلدانها الى البلدان التابعة جعل من موضوع التبعية البيئية قضية يجب التصدي لها من قبل الداعين الى كسر التبعية بكل اشكالها.

لذا لا تنفصل عملية النضال ضد "شرور" الرأسمالية العالمية على كل المستويات عن عملية النضال لكسر التبعية البيئية، باعتبارها نتاجا مباشرا لعملية استغلال بلدان العالم الثالث. وهنا لا يعول على الطبقات الاجتماعية التي نتجت عن تسيد التبعية في كسر التبعية البيئية، نظرا لدورها في تعميم مفاهيم المركز الرأسمالي حول البيئة، وبالتالي الخطر الداهم على البنية الإيكولوجية العالمية، مع علم هذا المركز انه السبب الرئيس في نشر "الشرور" البيئية من خلال الاستخدام غير العقلاني للموارد الطبيعية من جهة، واستغلال بلدان العالم الثالث ومواردها من جهة ثانية، وتحويل هذه البلدان الى مكب للنفايات الخطرة.

ان كثيرا من المعالجات التي تطرحها دول المركز لمعالجة الآثار البيئية الضارة، لا تأخذ في الاعتبار دورها في خلق هذه الآثار، او انها تتعامل معها كآثار جانبية لعملية "التحديث"، مع ان جوهر ما تقوم به هذه الدول هو معالجة الآثار الجانبية لعملية استغلال الموارد الطبيعية في الدول الفقيرة.

دول المركز حولت قضايا البيئة في العالم الثالث الى قضايا تهتم بها منظمات المجتمع المدني ووفرت لها تمويلا لا يكفي لمعالجة هذه الآثار، حيث ان ما قدمته في هذا المجال لا يعدو كونه كمن يعالج السرطان بالأسبرين، وكمن لا يعالج المرض الاساس، بل اعراضه.

وللأسف، كل صراخ الطبقات الحاكمة في بلدان المحيط ضد تخريب البيئة في بلدانها، لا يعدو أكثر من استجداء للمركز بالمساعدة، ويفتقر هذا الخطاب الى لغة وفعل حقيقيين يمنعان دول المركز من ادامة التبعية البيئية كما تديم التبعية الاقتصادية.

في المستوى الفلسطيني: هل هناك تبعية بيئية؟

اما هنا في الضفة الغربية وقطاع غزة (قبل العدوان الإسرائيلي الأخير)، فلا نعاني تبعية بيئية فحسب، بل عملية تدمير ممنهجة للبيئة الفلسطينية، من خلال الاستيطان والسيطرة المطلقة على الموارد المائية والطبيعية، ومنع تخضير الجبال في المناطق المصنفة "ج"، إضافة الى التخلص من النفايات الإسرائيلية السامة في هذه المنطقة او تحويل بعض المناطق الى مناطق صناعية خطرة بيئيا.

ان ما يجري في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 من عملية تدمير إسرائيلية للبيئة، لا تجابهه سياسة بيئية وطنية، تواجه وتمنع هذا التخريب، وذلك في ظل وجود اتفاقات موقعة بين السلطة الفلسطينية وسلطة الاحتلال تمنح الاحتلال ميزة في السيطرة على البيئة الفلسطينية، والفعل فيها بما يحقق إدامة الاحتلال.

إن ما يحصل في الضفة والقطاع ليس تبعية بيئية فحسب، بل عملية خراب بيئي في كافة المجالات، ما يتطلب فعلا شعبيا مضادا؛ اذ لا مراهنة على السلطة السياسية بالدفاع عن البيئة، حيث لا تستطيع الدفاع عن حياة الانسان الفلسطيني من القتل المباشر او مصادرة أرضه او تجفيف مصادره المائية.

 

Loading...