الاقتصادي - في ظل أزمة مجاعة في شمال قطاع غزة، لجأ المهندس الزراعي الشاب يوسف أبو ربيع إلى الزراعة فوق ركام منزله المدمر والأراضي الزراعية المستهدفة بالقصف الإسرائيلي لإنتاج أنواع من الخضروات لإطعام السكان.
واضطر أبو ربيع البالغ من العمر (24 عاما) كحال معظم سكان غزة إلى مغادرة مسكنه في بلدة بيت لاهيا شمال القطاع والنزوح من مكان إلى آخر للبقاء على قيد الحياة في ظل الحرب.
وقال أبو ربيع لوكالة أنباء ((شينخوا)) "في كل رحلة نزوح نفقد المزيد من احتياجاتنا الإنسانية، خاصة المواد الغذائية، حيث تعمدت السلطات الإسرائيلية فرض حصار مشدد علينا".
وتذكر الشاب أبو ربيع أنه "في ذلك الوقت، كانت الخضروات والفواكه واللحوم والبقوليات وحتى المعلبات التي كانت تصل إلينا كمساعدات إنسانية (رغم أنها ضارة بصحتنا) تنفد من الأسواق المحلية (...) لقد شعرنا حقاً أننا نقتل بشكل منهجي بسبب الجوع".
وتابع أنه صدم عندما مات ثلاثة من جيرانه من الجوع، وشعر أن أفراد عائلته قد يواجهون نفس المصير إذا لم يجدوا حلاً لهذه الأزمة، فخطرت بباله فكرة زراعة نباتات من شأنها أن تساعد الناس في الحصول على بعض المواد الغذائية دون انتظار وصول المساعدات الإنسانية لفترة طويلة.
لكن لم تكن مهمة أبو ربيع سهلة، إذ تعرضت معظم المناطق الزراعية لهجمات إسرائيلية، فيما استخدمت بقية المناطق المكشوفة لإقامة خيام مؤقتة للنازحين، إضافة إلى معاناة القطاع الساحلي المحاصر من نقص المياه.
ودمر الجيش الإسرائيلي نحو 67 بالمائة من مرافق المياه والصرف الصحي والبنية التحتية في القطاع، بحسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
وبالرغم من هذه العقبات لم يتخل أبو ربيع عن هدفه في تحدي المجاعة في منطقته، لذلك كان سعيداً للغاية عندما سمح الاحتلال لسكان بيت لاهيا بالعودة إلى مناطقهم في شهر يناير الماضي رغم تدمير منزله جزئياً.
وقال الشاب "بمجرد وصولي إلى منزلي قررت زراعة أول رقعة من النباتات فوق ركام منزلي عبر تنظيف السقف وتجهيزه ليكون بديلاً عن الأراضي الزراعية".
وأضاف "لقد كنت عالقاً في المنزل، والعائق الآخر هو أنني لم يكن لدي أي بذور للزراعة".
وتابع "لجأت إلى الأراضي التي كانت مزروعة قبل الحرب وعلى الأغلب فسدت ثمارها، واستخرجت بذور الفلفل الأخضر والباذنجان والجرجير وغيرها من المحاصيل سريعة النمو وسهلة الزراعة".
وبعد ذلك، قام يوسف وشقيقه بتجفيف تلك البذور لمدة يومين قبل زراعتها في حاضنات زراعية صغيرة كانت موجودة في الأراضي الزراعية.
ونجح الشقيقان في زراعة 30 ألف شتلة خضار، وهذا ما شجع المزارعين على الانضمام إليهم والبدء بتوسيع فكرة الزراعة في الأراضي الشمالية.
وفي وقت لاحق، قام يوسف وغيره من المزارعين المحليين بزيادة عدد الشتلات لزراعة المزيد من المنتجات الزراعية، قائلا "في الواقع، نستعد الآن لزراعة بعض الخضروات الصيفية لضمان الحد الأدنى من المنتجات الزراعية لشعبنا".
وما زاد الأمر سوءا أن نحو 459 ألف شخص في غزة (22%) يعيشون في حالة من "انعدام الأمن الغذائي الكارثي"، في حين يواجه جميع السكان تقريبا (96%) "مستويات أزمة انعدام الأمن الغذائي الحاد أو أعلى"، بحسب ورقة نشرتها المبادرة العالمية للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC).
وفي مايو الماضي، حذرت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي سيندي ماكين، وفق تقارير، من أن شمال قطاع غزة يعاني "مجاعة شاملة" تتمدد إلى جنوب القطاع الفلسطيني.
وقال أبو ربيع "حتى لو انتهت الحرب قريباً، لن نعود لحياتنا الطبيعية بسرعة، لذلك علينا أن نعتمد أسلوب الزراعة كأداة أساسية لدينا لمحاربة المجاعة دون انتظار وصول التبرعات إلى مناطقنا".
ولهذا السبب يتم تشجيع المزارعين الآخرين على زراعة أراضيهم حتى لو كانت الحرب مستمرة حتى الآن، فهي ستنتهي "عاجلاً أم آجلاً، لذا علينا الاستعداد لليوم التالي للحرب لمواجهة الصعوبات المقبلة"، بحسب أبو ربيع.