رغم أن العمل يجلب لصاحبه كثيراً من الضغوط النفسية والعصبية التي تؤرقه وتسلبه صحته وعمره، كشفت دراسة حديثة أجريت في جامعة لايبزيغ الألمانية، أن الاندماج في محيط العمل يعد وسيلة فعالة لعلاج كثير من الاضطرابات النفسية.
وينصح خبراءٌ المرضى بالبحث سريعاً عن عمل؛ لأنهم يرون فيه أفضل وسائل الإدماج في المجتمع وأكثرها بعثاً للثقة في النفس، على أن تتمّ متابعتهم بدقة خلال فترة العمل.
ويؤكد رئيس جمعية "غيزوندهايتسشتات برلين"، أولف فينك، أنَّ "العمل هو الطريق للصحة كما أنَّه المفتاح الأساسي للمشاركة الاجتماعية"، مضيفاً: أن "العمل يرسخ مكانتك في المجتمع ويعطي معنى للحياة وأهمية للإنسان".
ويرى أطباء نفسيون أن من أصابتهم المشاكل النفسية أثناء العمل واضطروا إلى التوقف، من المهم العمل على إعادة دمجهم مرّة أخرى في سوق الشغل.
وتوضح بيانات رصدها معهد "روبرت كوخ" الألماني، أن هناك علاقة متكاملة بين الصحة النفسية والعمل؛ إذ تشير الإحصائيات إلى أنَّ صعوبة حصول المصابين بأمراض نفسية على عمل تزيد بمقدار 15 مرة مقارنة بالأصحاء، وفقاً لتقرير نشرته مجلة "در شبيغل" الألمانية.
وأوضح متخصصون أن رفض إعادة إدماج المرضى داخل العمل يزيد من استفحال حالتهم بدل معالجتها.
ويميل الأطباء حالياً إلى تقليل فترات الإجازات المرضية للمصابين بمشاكل نفسية، إذ يؤكّد علماء النفس أنَّ النشاط مفيد ويساعد في تجاوز المرض بشكل أسرع، ومن ثم فإنَّ الأفضل هو النزول إلى العمل وليس العطلات المرضية الطويلة التي تؤدي مع الوقت إلى بناء حاجز بين المريض والمجتمع.
ويحاول الأطباء زيادة الوعي في المجتمعات لتتقبل الأوساط العملية وجود شخص مصاب باضطراب نفسي بينها، والأهم بناء الثقة حتى يستطيع المريض أن يتكلم ببساطة عن معاناته، دون الخوف من أن تستخدم هذه الأمور ضده.
وأكد توماس كلوسين من المركز الوطني لبيئة العمل في كوبنهاغن، بأنه وزملاءه قاموا بدراسة تأثير الترابط العاطفي على نفسية ورفاه وصحة ما يقرب من 5000 عامل، قسموا إلى مجموعات.
وأظهرت النتائج مستويات رفاهية أعلى بين العاملين في المجموعات التي تمتعت بالترابط العاطفي، وأن تعزيز هذا الارتباط قد يساعد أيضاً في معالجة ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض والإرهاق بين العاملين.
وفي دراسة قامت بها شركة الرعاية الصحية الخاصة "بوبا"، أجريت على أكثر من 500 امرأة نجت من سرطان الثدي كن يعملن خلال فترة التعافي، وجدت أن 89% منهن يعتقدن أن العمل منحهن شيئاً إيجابياً ليركزن عليه، في حين رأت 96% منهن أن العمل مَثَّلَ إلهاء جيداً بعيداً عن التركيز السلبي في المرض.
وقالت الدكتورة فيونا أدشيد، رئيسة قسم الصحة العامة في شركة "بوبا": إن "هذا البحث يبين أنه بالنسبة إلى بعض الأفراد، فإن بيئة العمل يمكن أن تقوم في الواقع بدور علاجي".
وأضافت أدشيد: "بالنسبة إلى البعض، فإن العمل يمثل استمرارية لحياته الطبيعية خلال اضطرابات التشخيص والعلاج".
ولأجواء العمل تأثير كبير على الموظفين؛ ففي الوقت الذي تعمق فيه الخصومات والغيرة وشدة التنافس وغياب التواصل بين الموظفين حالة التوتر، تساعد العلاقات المترابطة والمزح والضحك ومشاركة الطعام على تحسين المزاج، ومن ثم رفع الإنتاجية والقدرة الإبداعية، حيث أثبتت الدراسات أن الشخص الأكثر حباً لعمله، هو من لديه نشاط أكبر، وأن السعادة تكمن في حبك كموظف لعملك، ورغبتك في تحسين أدائك نحو الأفضل، وتحاشي التحكم في الآخرين.